خطوة جديدة في تمثيل مجتمعات الميم داخل الإعلام الترفيهي
في إعلان مفاجئ أثار تفاعلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، كشفت شركة World of Wonder، وهي الجهة المنتجة لبرنامج تلفزيون الواقع الشهير RuPaul’s Drag Race، عن إطلاق مسلسل رسوم متحركة جديد يحمل عنوان Drag Tots. ويُعد هذا المشروع أحد أبرز المبادرات الجديدة ضمن أربعة مشاريع تعتزم الشركة إنتاجها لتوسيع نطاق تأثيرها الثقافي والفني في مجالات تتعلق بهويات الكوير والمتحولين جنسيًا.
يأتي هذا الإعلان في خضم ازدهار المحتوى الذي يعكس تنوع الهويات الجندرية والميول الجنسية في الإعلام الأميركي، ويُعد Drag Tots خطوة جريئة تهدف إلى مخاطبة جمهور أوسع من فئات العمر المختلفة من خلال عمل فني مبتكر يجمع بين الفكاهة والرسالة الاجتماعية.
ما هو Drag Tots؟
Drag Tots هو مسلسل رسوم متحركة يدور في عالم خيالي ملون، ويُجسّد مجموعة من الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، لكنهم يؤدّون أدوار “دراج كوينز” – أي شخصيات استعراضية تعتمد المبالغة في الزي والمكياج والنبرة في تقمص الهوية الجندرية الأنثوية. تتميز كل شخصية بستايل فني مميز يعكس التنوع في تعبيرات الجندر، كما يعالج العمل قضايا مثل القبول، الهوية، الصداقة، والاختلاف بطريقة مبسطة وساخرة، ما يجعله أقرب إلى رسالة تربوية بثوب ترفيهي.
بحسب البيان الصحفي الرسمي، فإن المسلسل سيُعرض عبر المنصات الرقمية الخاصة بـ World of Wonder، مما يمنحه حرية أكبر في الطرح والتجريب بعيدًا عن رقابة القنوات التقليدية.
خلفيات إنتاج العمل: من سباق الدراج إلى دراما الكارتون
نجاح برنامج RuPaul’s Drag Race منذ انطلاقه عام 2009 ساهم في تغيير نظرة الجمهور الأميركي، والعالمي لاحقًا، تجاه فن الدراج كوين. فبعد أن كان يُعتبر نمطًا هامشيًا داخل ثقافة الميم، أصبح اليوم ظاهرة ثقافية تتقاطع مع الموضة، الفن، الموسيقى وحتى السياسة.
وفي هذا السياق، يُعد إطلاق Drag Tots محاولة لتمديد هذا النجاح إلى فئات عمرية جديدة، ومواصلة ترسيخ مفاهيم الشمول والتنوع في وجدان الجيل الصاعد.
وصرّح القائمون على المشروع أن بعض شخصيات Drag Tots ستُؤدى من قِبل نجمات سابقات في برنامج Drag Race، مثل Bianca Del Rio وAdore Delano، مما يزيد من شعبية المسلسل لدى جمهور البرنامج الأصلي.
بين دعم الجمهور وانتقادات المحافظين
قوبل الإعلان عن المسلسل بحفاوة من قِبل الكثير من نشطاء مجتمع الميم، الذين اعتبروا Drag Tots نموذجًا إيجابيًا لتقديم محتوى كرتوني يعكس تجارب حقيقية ويتحدى الصور النمطية حول الجندر والهوية.
إلا أن المسلسل لم يخلُ من الجدل، خاصة من قبل وسائل إعلام محافظة ومنصات تنتمي لليمين الأميركي، والتي اعتبرت أن المسلسل “يحاول فرض أجندة جنسية على الأطفال”. وقد وصفه البعض بأنه “غير مناسب لفئات عمرية صغيرة”.
في المقابل، دافعت شركة الإنتاج عن رؤيتها، مشددة على أن المسلسل لا يتضمن مشاهد جنسية أو محتوى غير ملائم، بل يهدف فقط إلى تعزيز التسامح والخيال والإبداع بين الأطفال، من خلال رمزية خيالية لا تختلف عن غيرها من الشخصيات الكرتونية الشهيرة.
التمثيل الإعلامي وتأثيره على الهوية
تُظهر تقارير صادرة عن منظمات مثل GLAAD وGLSEN أن الأطفال والمراهقين الذين يشاهدون محتوى يمثلهم بشكل عادل، يكونون أكثر قدرة على تقبل هوياتهم والاندماج في المجتمع بثقة.
وفي هذا السياق، يُعد Drag Tots خطوة رمزية مهمة تعكس تحوّلًا في فهم الإعلام لدوره في تشكيل وعي الجيل القادم. فالاعتراف بوجود أشكال متعددة من التعبير الجندري في سن مبكرة قد يُسهم في تقليل معدلات التنمر والانتحار بين الأطفال والمراهقين من مجتمعات الميم.
مشاريع مرافقة: نحو توسّع أكبر في تمثيل الكوير
لم يأتِ إعلان Drag Tots بمعزل عن مشروع واحد، بل كجزء من حزمة جديدة من المبادرات تشمل:
- إطلاق برنامج واقعي جديد يُركز على حياة نجمات Drag Race بعد انتهاء المسابقة.
- عرض وثائقي حول تاريخ فن الدراج كوين في أميركا.
- إنتاج حلقات رقمية مصغّرة تحت عنوان “Queen Supreme” تتناول نصائح حياتية بأسلوب ساخر.
هذا التوسّع يثبت أن World of Wonder تسعى إلى ترسيخ مكانتها كمنصة إعلامية رائدة في تقديم محتوى كويري متنوع، يشمل الترفيه والتثقيف معًا.
دراج كوينز في كرتون الأطفال — نقلة ثقافية جريئة
يُعد Drag Tots أكثر من مجرد مسلسل كرتوني، بل هو تعبير عن تحول ثقافي متسارع في ما يُعرض للأطفال حول مفاهيم الجندر والهوية.
وبينما قد تختلف الآراء حول مدى “مناسبته”، إلا أن مجرد وجوده هو انتصار للتمثيل، ورسالة بأن الإعلام يمكن أن يكون أداة للتغيير، لا مجرد وسيلة للترفيه.
في زمن تتسارع فيه التغيرات الاجتماعية والثقافية، يظل Drag Tots محاولة جريئة لفتح باب النقاش، وتوسيع آفاق التعبير الفني، والتأكيد على أن لكل طفل – مهما كانت هويته أو طريقته في التعبير عنها – مكان في الشاشة الكبيرة.
