في إنجاز مهم للأدب العربي المعاصر، تُوِّجت رواية “في غرفة العنكبوت” للكاتب المصري محمد عبد النبي بجائزة الأدب العربي المترجم في فرنسا، وهي جائزة مرموقة تُمنح بالتعاون بين معهد العالم العربي في باريس ومؤسسة جان لوك لاغاردير. وتُعد هذه الجائزة الأولى التي ينالها الكاتب خارج العالم العربي، في لحظة وصفها بأنها “حدث كبير وضخم” في مسيرته الأدبية.
عن الرواية: سرد إنساني عن الألم والهوية
صدرت رواية “في غرفة العنكبوت” عام 2016 عن دار العين للنشر، وهي عمل روائي بالغ الأهمية يتناول واقع المثليين في مصر من خلال عدسة شخصية مثقفة ومجروحة. وتستند الرواية إلى أحداث حقيقية وقعت عام 2001، في ما يُعرف إعلاميًا بقضية “كوين بوت”، حيث ألقت السلطات المصرية القبض على 52 رجلًا من نادٍ ليلي عائم على النيل، ووجهت إليهم اتهامات تتعلق “بالفجور” بناءً على ميولهم الجنسية.
تدور الرواية حول شخصية هاني محفوظ، وهو رجل خمسيني يُعتقل في مداهمة أمنية، ليجد نفسه في سجن يشبه “غرفة العنكبوت”، يُحاك فيه القهر، وتُقيد فيه الأرواح بالعار والخوف. تستخدم الرواية لغة شاعرية حساسة لتسليط الضوء على معاناة الأقليات الجنسية في المجتمعات المحافظة، وتُعيد الاعتبار لأرواح مسحوقة، تم سحقها باسم “الأخلاق”.
الجائزة: إشادة دولية بعمل كويري عربي نادر
فاز الترجمة الفرنسية للرواية، التي أنجزها المترجم جيل غوتييه تحت عنوان “Dans la chambre de l’araignée”, بجائزة الأدب العربي لعام 2019، وهي جائزة تهدف إلى تكريم الأعمال التي تُجسّد التنوع الثقافي والاجتماعي والسياسي في العالم العربي.
وقال عبد النبي في تصريحات صحفية عقب الفوز:
“سعيد للغاية بهذه الجائزة، فهي أول جائزة عربية أحصل عليها خارج العالم العربي. إنها شهادة تقدير على قيمة وجمال أعمالي الأدبية، واعتراف بأهمية رواية تتناول موضوعًا حساسًا وشائكًا، لكنه إنساني بامتياز.”
قضية “كوين بوت”: مأساة جماعية لا تُنسى
في ليلة 11 مايو 2001، داهمت الشرطة المصرية قارب “كوين بوت” الراسي على نهر النيل، وألقت القبض على عشرات الرجال بذريعة “الفجور وممارسة المثلية”. وُجهت إليهم تهم علنية، وتمت محاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة، وسط تغطية إعلامية مُهينة. حُكم على العديد منهم بالسجن، وتعرضوا للتعذيب والإذلال، مما أثار غضب المنظمات الحقوقية حول العالم.
رواية “في غرفة العنكبوت” تُعيد فتح الجرح، لا من باب الشفقة، بل من باب التوثيق والمقاومة الأدبية. إنها رواية الذاكرة، ضد المحو والتهميش، ولصالح العدالة والكرامة.
لماذا تُعد هذه الجائزة مهمة؟
- تؤكد أهمية الأدب الكويري في السياق العربي.
- تُسهم في نشر القصص المهمشة على نطاق عالمي.
- تُمثل انتصارًا رمزيًا لضحايا قضية “كوين بوت”.
- تُعزز من فرص الترجمة والانفتاح على الآخر من خلال الأدب.
الرواية في سياق الأدب الكويري العربي
رغم ندرة الروايات التي تتناول الهويات الجنسية المغايرة في العالم العربي، إلا أن “في غرفة العنكبوت” كسرت هذا الصمت. واستقبلها النقاد بإشادة واسعة، ورُشحت أيضًا لـ القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية عام 2017.
تُعد الرواية من أبرز الأعمال التي تناولت المثلية الجنسية من منظور إنساني وأدبي عميق، وفتحت المجال أمام موجة جديدة من الأدب الذي يطرح قضايا الجندر والتعددية دون خوف أو مواربة.
الأدب كمساحة للحرية والتغيير
يُعد فوز “في غرفة العنكبوت” بجائزة الأدب العربي في فرنسا أكثر من مجرد انتصار فردي. إنه تأكيد على قدرة الأدب على كسر الحواجز، وخلق مساحات للحوار، والتعاطف، والتغيير المجتمعي. في زمن تتزايد فيه الرقابة والرقابة الذاتية، تذكّرنا هذه الرواية أن الحكايات الصادقة تظل قادرة على اختراق الجدران، والوصول إلى القلب.