في واحدة من أكثر اللحظات تأثيرًا وتمثيلًا في تاريخ برنامج “RuPaul’s Drag Race”، أطلت الفنانة الكويرية ذات الأصول الإيرانية جاكي كوكس مرتدية الحجاب على منصة البرنامج، لتكسر بذلك الصور النمطية وتفتح بابًا للحديث عن التعددية الثقافية والهويات المركبة في عالم الفن والأداء.
كوكس، واسمها الحقيقي داريوس روز، هي فنانة دراغ كندية-أمريكية من أم إيرانية وأب كندي، نشأت وتعلمت في الولايات المتحدة، وشاركت في الموسم الثاني عشر من برنامج دراغ ريس، حيث احتلت المركز الخامس، ولفتت الأنظار بأسلوبها الفريد وجرأتها في تقديم هويتها الشرق أوسطية والإسلامية ضمن ثقافة الدراغ الأمريكية.
جاكي كوكس والهويّة الشرق أوسطية في ثقافة الدراغ
في حلقة ذات طابع وطني أمريكي، ارتدت كوكس عباءة مخططة باللون الأحمر مع حجاب أزرق مزين بنجوم فضية، في خطوة جريئة تعتبر الأولى من نوعها في البرنامج. هذا الظهور أثار تفاعلًا واسعًا، بين من رأى فيه تعبيرًا عن التنوع والشجاعة، ومن اعترض عليه لأسباب دينية أو ثقافية.
كوكس صرّحت أنها أرادت من خلال هذا الظهور إيصال رسالة مفادها: “يمكنك أن تكون كويريًا ومن أصول شرق أوسطية، ويمكنك أن تعيش حقيقتك”.
وأضافت في مقابلات لاحقة: “الكثير من الشباب الشرق أوسطيين أو المسلمين تواصلوا معي بعد ظهوري في البرنامج، وقالوا إنهم شعروا بأنهم ممثلون أخيرًا، وأن بإمكانهم استخدامي كجسر للحوار مع عائلاتهم”.
من أورانج كاونتي إلى نيويورك: رحلة فنانة دراغ
بدأت كوكس مشوارها في عالم الأداء المسرحي، ودرست الفنون المسرحية في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، قبل أن تنتقل إلى نيويورك لتبدأ مسيرتها في عالم الدراغ. أول عرض لها كان ضمن مسابقة “So You Think You Can Drag”، ومن هناك بدأت تبني شخصية جاكي كوكس، المستوحاة من شخصية فنية مسرحية متخيلة.
كوكس لا تُعرّف نفسها بشكل صارم؛ فهي تستخدم ضمائر he/she/they خارج الأداء، وتصف نفسها بأنها فنانة “جندرية توسعية” (gender-expansive)، ما يعني أنها لا تندرج ضمن ثنائية الجندر التقليدية.
تمثيل لمجتمع كويري متعدّد الثقافات
في عالم لا يزال يعاني من نقص في تمثيل الأشخاص الكويريين من خلفيات شرق أوسطية وجنوب آسيوية، شكّلت جاكي كوكس نموذجًا نادرًا. وبالنسبة للعديد من أبناء الجاليات المهاجرة، وخاصة الأطفال الذين يعيشون هويات متقاطعة، فقد كانت جاكي نقطة ضوء تمكّنوا من خلالها من رؤية أنفسهم على الشاشة.

قال أحد المعجبين من أصول هندية في مقال شخصي: “جاكي جعلتني أشرح لأهلي ثقافة الدراغ بسهولة، لأنهم رأوا فيها ملامح مألوفة: مظهر بوليوودي، وأسلوب يشبهنا، واستخدام كلمات من ثقافتنا”.
صوت كويري في زمن التغيير
تستخدم كوكس منصتها حاليًا لتسليط الضوء على الفنانين المتأثرين بجائحة كورونا، من خلال برنامج حواري على الإنترنت، إضافة إلى مشاركتها في حملات دعم الفنون وحقوق مجتمع الميم/عين. كما أطلقت أغنيتها الخاصة بعنوان “You Wish”، التي تعبر فيها عن تمكين الذات وتحدي القوالب النمطية.
وتختم كوكس إحدى مقابلاتها بنصيحة للشباب الكويريين، خصوصًا من الأقليات: “اكتشفوا السبب الحقيقي لفنكم. لماذا ترغبون في التعبير؟ بالنسبة لي، كنت أتمنى لو رأيت شخصًا مثلي على الشاشة عندما كنت طفلًا، وأنا أريد أن أكون ذلك النموذج لمن يحتاجه اليوم”.
جاكي كوكس ليست مجرد فنانة دراغ، بل هي رمز للهوية المركبة والشجاعة في التعبير، وتجسيد لإمكانية التعايش بين الثقافات، وبين الدين والجندر، وبين التقاليد والتحرر. ظهورها في برنامج عالمي كان بمثابة “انفجار ناعم” في ثقافة البوب، فتح نقاشات كثيرة وأسهم في كسر حواجز طويلة الأمد.