في عام يزخر بأفلام غنية بالحبكات المثيرة والمشاهد البصرية القوية، يبرز فيلم “تاريخ الصوت” (The History of Sound) كأحد أكثر الأعمال السينمائية رقة وتأملًا في عام 2025، بفضل قصته المثلية الحساسة، وتمثيله الهادئ، وسرده البصري المرهف.
أكثر من مليون مشاهدة بعد طرح الإعلان الترويجي
أُطلق العرض الترويجي للفيلم رسميًا في 24 يوليو 2025، وحقق انتشارًا واسعًا، إذ تجاوزت عدد مشاهداته المليون على منصة يوتيوب وحدها خلال أقل من أسبوع. وقد ترافق العرض مع طرح الملصق الرسمي للفيلم، الذي تصدّره مشهد صامت حميمي بين بطلي القصة، مما جذب انتباه جمهور واسع من عشاق السينما الكويرية والرومانسية.
هذا التفاعل الكبير يعكس الترقب الجماهيري للفيلم، ويعزز من فرصه ليكون أحد أكثر أفلام 2025 حضورًا في النقاشات السينمائية والثقافية، خصوصًا ضمن جمهور المثليين والكويريين الباحثين عن تمثيل صادق ومعقّد للعلاقات العاطفية.
من قصة قصيرة إلى فيلم يُشبه القصيدة
الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة كتبها الأمريكي بن شاتوك عام 2018، وتحولت إلى سيناريو من إخراج أوليفر هيرمانوس، المعروف بأفلامه الحساسة ذات الخلفية الكويرية مثل Beauty وLiving.
تدور أحداث الفيلم في الولايات المتحدة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث يلتقي شابان – ليونيل وديفيد – في معهد بوسطن الموسيقي، ويجمعهما حب الموسيقى الشعبية. ينطلقان في رحلة عبر ولاية مين لتسجيل الأغاني الشعبية باستخدام أسطوانات شمعية، في محاولة لحفظ “تاريخ الصوت” قبل أن تبتلعه الحرب والتغيّرات الاجتماعية.
ليونيل، الذي يعاني من حالة نادرة تُعرف بـ”سينستيزيا”، يرى الألوان من خلال الأصوات، وهو ما يضفي على علاقته بالموسيقى – وبالحب – طابعًا خاصًا وحسيًا.
الحب الكويري في قلب التاريخ
العلاقة بين الشابين تتطور ببطء، وسط صمت وتردد، لكنها لا تقل عمقًا عن أكثر القصص الرومانسية شهرة. من النظرات الأولى إلى القبلات في العتمة، يعرض الفيلم مشاعر قوية دون حاجة إلى خطاب مباشر عن الهوية أو إعلان الميول الجنسية.
يؤكد المخرج أوليفر هيرمانوس: “الفيلم لا يدور حول الخروج من الخزانة أو مواجهة العار، بل عن وجود الحب ببساطة، وعن كيف يعيش في ظلال الذكريات والصوت”.
أداء رفيع من نجمين كويريين
يُذكر أن النجمين ميسكال وأوكونور لهما تجارب سابقة في أدوار كويرية؛ حيث قدم أوكونور أداءً لافتًا في God’s Own Country (2017)، بينما لعب ميسكال دور البطولة في فيلم All of Us Strangers (2023) إلى جانب أندرو سكوت.
في هذا الفيلم، يستخدم الممثلان لغة الجسد والنظرات كوسيلة أساسية للتعبير، ما يجعل الأداء أكثر صدقًا وعفوية. يعلّق بول ميسكال على الدور: “ليونيل هو شخص يعبر عن الحب من خلال الصمت. وهذا أصعب كثيرًا من قول الكلمات”.
الموسيقى كبطلة ثالثة في The History of Sound
لا يُعتبر الفيلم موسيقيًا بالمعنى التقليدي، لكنه يستعين بالموسيقى كوسيلة لسرد القصة، ونقل المشاعر، والربط بين الشخصيات. من خلال تعاون فني بين المؤلف الموسيقي أوليفر كوتس والمغني سام آميدون، يتم تقديم موسيقى تعكس الحالة العاطفية لكل مشهد.
يقول المخرج: “القصة تشبه أغنية شعبية. ليست فقط عن الموسيقى، بل هي نفسها موسيقى.”
بين الاحتفاء والنقد: آراء متباينة
رغم عرضه في مهرجان كان السينمائي وترشيحه للسعفة الذهبية، تلقى الفيلم تقييمات متفاوتة:
- Rotten Tomatoes: تقييم إيجابي بنسبة 68٪.
- Metacritic: 63/100، مما يشير إلى “تقييمات إيجابية عمومًا”.
بينما أُشيد بجمال الصورة والكيمياء بين ميسكال وأوكونور، اعتبر البعض أن الفيلم يفتقر إلى العاطفة الحية، وشبهه البعض بـ”نسخة باهتة” من فيلم Brokeback Mountain.
رد بول ميسكال على هذه الانتقادات واصفًا المقارنات بـ”الكسولة”، مشيرًا إلى أن “تاريخ الصوت” ليس تكرارًا، بل إضافة جديدة ومختلفة لأرشيف السينما الكويرية.
فيلم كويري هادئ… لكنه من أهم أفلام 2025
رغم هدوئه البصري، فإن The History of Sound يُعتبر من أكثر الأفلام جرأة هذا العام في تقديم قصة حب مثلية بصدق وإنسانية، دون الحاجة إلى الدراما العالية أو المآسي النمطية.
ببساطة، هو فيلم عن الحب الذي لا ننساه، حتى لو لم نحصل عليه بالكامل.
كما تقول إحدى شخصيات الفيلم: “السعادة ليست قصة. لكن الحنين هو ما يبقينا على قيد الحياة.”
من المتوقع أن يثير الفيلم نقاشات واسعة بعد طرحه في دور العرض، خاصة في الأوساط الكويرية حول العالم، لما يقدمه من تمثيل نادر لقصص الحب بين الرجال في سياقات تاريخية.
وهو تذكير أن الموسيقى – وربما السينما – هي أفضل وسيلة لحفظ تاريخ لا يُكتب بالحبر، بل بالمشاعر.
