تحذير: يحتوي المقال وقائع عنف جسدي تشمل القتل والتعذيب
عن فشل الدولة وملاحقة مجتمعات الميم
عام 2019، وأثناء احتجاجات تشرين، وجدتُ لافتة يحملها رجل مكتوبة بخط أسود عريض (گلبتوا/قلبتوا العراق قندهار يا أخوة الليل والنهار). وكان الرجل يحاول أن يقول عاهرات باللهجة العامية العراقية لكن بطريقة مختلفة كي لا يجرح الذوق العام وقتها. نظرًا لكبر سنهِ وحتى يتجاوز منعهُ من قول رأيهِ وسط الحضور القوي للسلطوية على الآخر. ومنع اللافتات لأنها تجرح الذوق العام الذي يمارس هذه الألفاظ يوميًا، لكنه يحاول اخفائها لسببٍ ما. لكنها أيضًا إشارة صريحة لاستياء الرجل من سيطرة المليشيات والتعصب الديني على الدولة وفشلها. قد يأخذنا هذا لحديثنا عن العواصم المحتلة بالتعصب الديني وسيطرة الأيدلوجية على كل مرافق الدولة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. لطالما كانت الدولة تجد مبررًا دينيًا لكل الفشل وعلى رأسها زعيم مليشيا جيش المهدي/ سرايا السلام حاليًا، مقتدى الصدر، المنسحب من الانتخابات والذي يملك قاعدة جماهيرية ضخمة. كما له تاريخ حافل من التصريحات ضد مجتمعات الميم عين+ في العراق. وميلشياته التي كانت تبرر قتل الأبرياء الذين لم يلتزموا بالمعيارية الغيرية للجندر عن طريق وصفهم بالمثليين. لجعل قتلهم أمرًا مبررًا للرأي العام. ومنها ظهرت مصطلحات مثل البلوكة والأميري، حيث كانت المليشيات التي تفتخر بهذا العمل وتصريحات قادتها ومؤيدين الصدر بمناسبات عدة عن رغبتها بعودة تلك الفترة والعودة لاستخدام ذات الأساليب. يهشمون رؤوس ضحاياهم عن طريق البلوكة على الأرصفة، البلوكة هي خرسانة تستخدم لبناء المنازل، وكان الاميري وهو وصف لعصارة سائل لاصق، من أبشع طرق التعذيب التي استخدموها من خلال لصق فتحة شرج الضحايا بهذه المادة.
عام 2022، وثّقت هيومن رايتس ووتش، بدعم من منظمة عراق كوير العراقية والمدافعة عن حقوق مجتمعات الميم، ثماني حالات اختطاف، وثماني حالات محاولة قتل، وأربع حالات قتل خارج القضاء، و27 حالة عنف جنسي – بما فيها الاغتصاب الجماعي – و45 حالة تهديد بالاغتصاب والقتل، و42 حالة استهداف عبر الإنترنت من قبل أفراد عرّفوا عن أنفسهم بأنهم أعضاء في جماعات مسلحة، ضد أفراد مجتمعات الميم في العراق. في ثماني حالات، كانت الانتهاكات على يد الجماعات المسلحة والجهات الحكومية، بما فيها الاعتقال التعسفي والعنف الجنسي، ضد أطفال لا تتجاوز أعمارهم 15 عامًا. وفي 39 حالة، تمكن الأفراد من تحديد هوية الجماعة المسلحة التي اعتدت عليهم. وثّقت هيومن رايتس ووتش أيضًا حالات استهداف رقمي ومضايقات عبر الإنترنت على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة الخاصة بالمثليين ومزدوجي التوجهات الجنسية والرجال الذين ينجذبون إلى الرجال من قبل الجماعات المسلحة ضد مجتمعات الميم. ودعت هيومن رايتس ووتش وعراق كوير أيضًا الدول التي تقدم المساعدات العسكرية، والأمنية والاستخباراتية للعراق، بما فيها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، إلى حث السلطات العراقية على التحقيق في مزاعم الانتهاكات على يد الجماعات المسلحة والدور الذي تلعبه مساعداتهم في هذه الانتهاكات المزعومة.
تقرير الكل تريدني أموت - هيومن رايتس ووتش
وقع أكثر من 25 نائبًا يوم السبت 2 ديسمبر 2022 في البرلمان على بيان أطلقوا علية “حظر الدعوة لنشر المثلية”. تتعارض كامل فقارتهِ مع الدستور العراقي الذي يكفل حرية التعبير عن الرأي. وذلك تزامنًا مع إصدار بيان السيد مقتدى الصدر على تويتر.
على الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات أن يتحدوا في العالم أجمع من أجل مناهضة (المجتمع الميمي). لا بالعنف ولا بالقتل والتهديد، بل بالتثقيف والتوعية وبالمنطق والطرق الأخلاقية وما شاكل ذلك. ومن خلال أفعالهم أو أقوالهم أو منشوراتهم أو مقالاتهم أو مجالسهم أو تغريداتهم أو في منازلهم ومدارسهم ودوائرهم ومؤسساتهم وفي عوائلهم وبين أصدقائهم وعشائرهم ومجتمعاتهم وفي دولهم ومناطقهم وقراهم وأريافهم وفي قنواتهم ومواقعهم ومن خلال إظهار امتعاضهم من أفعالهم وقوانينهم… عسى أن تكون مناهضتهم سببا لعدم تعميم البلاء الإلهي الذي ينتظر البشرية جمعاء بسبب تقنين الفواحش وتحدي السماء من خلال الشذوذ الجنسي.
بيان مقتدى الصدر عبر تويتر، يوم الثلاثاء 22 نوفمبر 2022
لم يكن تزامن البيانان محض صدفة. فقد حاول بيان النواب فرض عقوبات على كل موقع ينشر رأي حول المثلية الجنسية باستثناء الكراهية منها أو كل تصريح شخصي على وسائل التواصل الاجتماعي. والتعامل مع التعبير على كونه جريمة يعاقب عليها القانون بغرامات مالية تفوق قدرة المواطن العراقي ما بين 1 إلى 8 مليون دينار لكل فرد. وشملت العقوبات المالية المؤسسات أيضًا.
يُعاقَب الشخص إذا كان مواطنًا بمبلغ مالي لا يقل عن مليون دينار ولا يزيد ثمانية ملايين دينار، تعاقب المؤسسات بمبالغ ما بين ثمانية ملايين وأربعة وعشرون مليون دينار، أما بالنسبة للموظفيّن الحكوميين يتم معاقبتهم بمبالغ ما بين خمسة ملايين وخمسة عشر مليون دينار.
بيان البرلمان العراقي
تتقاعس الدولة عن أداء واجبها، وتحاول إيجاد مبرر يلهي الشعب عن كمية القرارات السياسية الفاشلة. يدعي النواب الموقعون على بيان الحظر أنهم يحاولون الحفاظ على الأسرة العراقية في الوقت الذي رُفضت فيه تشريع قوانين لتجريم العنف الأسري. وقد ادعى مجلس النواب أن تشريع قوانين تجرم العنف الأسري ضد النساء يفكك الأسرة. ولم يكتفي البرلمان برفض القانون، إنما أدخل تعديل على قانون حماية الطفل، ومنع الطفل من حقة في رفع شكوى ضد من يعنفه أو ضد والديه في حال قيامهم بتعنيفه. وهو القانون الذي يخشاه العراقيون، فهو يفقدهم سلطتهم على أطفالهم وقد برر البرلمان أيضًا تصرفه بأن قانون حماية الطفل يفكك الأسرة العراقية.
لم يكن هذا أيضًا التصريح الأول للصدر والذي يثير فيه جلبة كبيرة بسبب قاعدته الجماهيرية الكبيرة فقد صرح الصدر عام 2020 في بيان على تويتر، ضد بعثة الأمم المتحدة، والتي رفعت علم الفخر لأول مرة في العراق داخل قنصليتها. وكان الصدر قد سبب حشدًا على وسائل التواصل الاجتماعي ساهم في إرعاب وترهيب أفراد مجتمعات الميم.
كما فعل خلال الاحتجاجات العراقية عام 2019 بعد أن أدخل اتباعهُ في الاحتجاجات ونُشرت وقتها صورة لأفراد من مجتمعات الميم لونوا أصابعهم بألوان قوس قزح، مما ساهم بعد تصريح الصدر في حملة ضخمة داخل ساحة الاحتجاج لحرق علم الفخر في بغداد. حيث نُشرت الصورة وأعاد حشد الناس ونشر الرعب من خلال تصريحاته التي تصف أفراد مجتمعات الميم بالمرضى وناشرين الفاحشة. كما ساهم في خلق حشد على وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا أثناء انتشار فيروس كورونا في بعض الدول وقد رجح الصدر أن انتشار الفيروس بسبب تشريع قوانين لزواج المثليين.
تحاول الدولة العراقية الحفاظ على نسق الأسرة الذكوري المعتاد والمتمثل في سلطة الأب. وهي تحاول جاهدة رفض جميع القوانين والمقترحات التي تنهي شكل الأسرة الذكوري، وتستعمل أسلوبها المعتاد في استجداء وكسب تعاطف الفرد العراقي الذكوري من خلال وضع مهدد وهمي لسلطتهِ ثم الدفاع عن هذه السلطة وهو أيضًا أسلوب إشغال للرأي العام عن مصيبة سياسية محتمل حدوثها أو خشية من ظهورها للإعلام.
أما بالنسبة للصدر، فالمثلية الجنسية تمثل طوق النجاة الذي سيخرجه من السقوط اجتماعيًا، فقد تزامنت تصريحات الصدر حول المثلية الجنسية مع فضائح سياسية عدة تخص نواب تابعين لكتله، أو لوزارات يسيطر عليها، فكلما تحدث الصدر عن المثلية، هو بدوره يحاول أن يجمع تشتت أتباعه والرأي العام ويضعهم في صفهِ مرة أخرى، بعد أن فقدوا ثقتهم به. ما يتحدث به هو ليس حبًا بالمجتمع المفكك والمليء بالعنف والقتل الذي يطال جميع أفراد المجتمع، إنما للعب على ذكورية المجتمع وسلطويتهِ. يجمع الصدر مؤيدين له من المصابين برهاب المثلية الجنسية الذين ليسوا في صفه وهو أيضًا لتغطية فشل سياسي وسقوط اجتماعي لشخصيته المهزوزة والمتعصبة.
تحاول الدولة التخلص من أي فكرة أو نظرية أو ميول يجعل ذكورية المجتمع والسلطة في خطر الإزالة. فمثلما تحارب السلطوية الأبوية والهرمية الأبوية جميع أشكال المناهضة تستعمل الدولة سلطتها القانونية وميليشياتها لمحاربة ما يهدد سلطتهم. لم تكتفي الدولة فقط من اضطهاد النساء اجتماعيًا وسياسيًا، إنما محاربتها للمثلية هي أيضًا محاربة لسلوك يهدد سلطة الأبوية الذكورية، لا يختلف النضال النسوي عن النضال الكويري، فكلاهما يحاربان ذات النظام الابوي وأن كان النضال الكويري بشكل غير علني، إلا أنه يساهم بشكل أو بآخر في تعزيز النضال النسوي في محاربة الأبوية.
عن الكاتبين/ات:
إ.م.بلاي شاعر/ة وكاتبـ/ـة لا ثنائيـ/ـة وناشطـ/ـة في حقوق مجتمعات الميم عين+، يتحدثن بلاي عن سلطوية المجتمع والحكومة العراقية في هذا المقال وملاحقة السلطوية الأبوية لمجتمعات الميم وعن آخر تصريحات الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وتاريخ ملاحقته لمجتمعات الميم والجرائم الشنيعة التي ارتكبتها مليشيات الصدر ضد مجتمعات الميم عين العراق