أطياف

قريبان: جمال الحب اليافع وألمه

مهرجان القاهرة السينمائي والأفلام الكويرية

مهرجان القاهرة السينمائي هو مناسبتي السنوية المفضلة. مناسبة تجمع أهم الأفلام العالمية في مناخ دافئ لمحبي السينما والفن بلا تحيز. أو هذا هو ما ظننته حتى بدأت الرقابة مؤخرًا ضم المهرجان تحت أجنحتها المتسلطة. حتى العام الماضي ضم المهرجان بعض الأفلام الكويرية حتى ولو كان على استحياء لكنه لم يقصيها كليًا. مثلاً العام الماضي تم عرض الفيلم الياباني عجلة الحظ والفانتازيا الذي ضم ضمن أبطاله شخصية مثلية الجنس. كما ضمت مسابقة الأفلام القصيرة فيلمًا مدته ربع ساعة تقريبًا يحكي عن قصة عاطفية مثلية بين مراهقتين وكما أتذكر فإن الجمهور العام كان مرحبًا للغاية ولم يبدي أي امتعاض. في عام 2020 أتذكر مشاهدة فيلمًا يابانيًا بعنوان بجعة منتصف الليل وكانت قصته تدور حول امرأة عابرة جنسيًا.

 في الحقيقة، أنا لم أكن منتظمة تمامًا بارتياد المهرجان في كل أعوامه. لذا لا أعلم تحديدًا بخصوص جميع الأفلام الكويرية التي عرضها المهرجان على مدار السنوات الأخيرة. لكن ما زلت أتذكر عرض فيلم أنا أولجا هبنروفا عام 2016 الذي لم تكن بطلته امرأة مثلية فحسب بل كان صريحًا جدًا في مشاهده الجنسية المثلية.

هذا العام تم عرض فيلمين في المهرجان لامرأتين عابرتين جنسيًا، أرض المرح وشيء قلته الليلة الماضية. لكن ما اختلف هذا العام هو اقتصار حضور الفيلمين على الصحفيين ومنع الجمهور العام من حضور الفيلمين «لأسباب رقابية». أدركت في النهاية أن مهرجان القاهرة السينمائي تحول صراحة لإقصاء تام للأفلام الكويرية، وتابعت مشاهدة أفلامه المغايرة على مضض.

مفجأة المهرجان

ما فاجأني وسط زخم الأفلام المغايرة هو عرض الفيلم البلجيكي الهولندي الفرنسي قريبان/Close للمخرج البلجيكي الكويري لوكاس دونت، كما يشارك أيضًا في التأليف. قريبان هو الفيلم الثاني للمخرج بعد فيلم فتاة، والذي تدور أحداثه عن امرأة عابرة جنسيًا.

كيف تجنب القريبان مقص الرقابة الظلامية؟

تم ترويج فيلم قريبان على أنه فيلم عن صديقين مقربين وهذا ما جنبه المنع من العرض. يحكي الفيلم عن الحب اليافع بين طفلين يبلغان 13 عامًا هما؛ ريمي وليو، يتشاركان معظم أوقاتهما وطموحاتهما الصغيرة في الحياة. تبدأ علاقتهما بالتدهور بعد تعرضهما للتنمر من قبل زملاء المدرسة، حيث يفسر الجميع تقاربهما الجسدي والعاطفي على أنه علاقة مثلية مرفوضة، مما يصدم ليو الذي لم يفكر أبدًا بأن مشاعره تجاه ريمي قد تتخطى مشاعر الصداقة، بينما لا يعير ريمي الأمر أي أهمية مانحًا علاقته بـ ليو الأولوية على الرغبة في القبول والاندماج مع زملائهم.

 يبدأ ليو بإبعاد ريمي تجنبًا لمضايقات زملائهما ورغبة منه في الاندماج مع بقية الصبية ومعاييرهم لما ينبغي للذكر الحقيقي أن يكون عليه والتي هي في حقيقتها كارهة للمثليين تمامًا ولكل ما يصنف على أنه أنثوي. يتحول تجنب ليو لـ ريمي إلى صراع ضمني مع مشاعره وما هو عليه بالأساس، حتى حين لا يكون تحت مراقبة زملائه، ويواصل هذا الصراع الذاتي والبيني في الصعود، لينتهي بحادث مأسوي.

على الرغم من عدم مصارحة أيًا من ليو أو ريمي بكونهما مثليين، وهو ما أتفهمه نظرًا لصغر سنهما. إلا أنه من غير الممكن محو هذه الإمكانية عن علاقتهما. أتفهم مشاعر الحب اليافع حين يسبق إدراك المفهوم وحين يسبق التسمية والتصالح مع التسمية. لكن ما نجح هذا الفيلم في تجسيده بشاعرية بالغة هو جمال الحب الأول، ومدى الألم الذي يمكن أن يتسبب به حين ينمو في وسط مشبع بالكراهية. وهو ما أعتقد أنه شعور مألوف جدًا بالنسبة لأي فرد من مجتمعات الميم عين+، حين تترعرع كطفل لا يدرك مثليته أو اختلافه، ولكنه يدرك وبعمق مشاعر الحب الأول اليافع.

عاطفية الفيلم تخطف الأنظار

نال الفيلم 24 جائزة و15 ترشيحًا. وأبرز جائزة فاز بها، الجائزة الكبرى لمهرجان كان السينمائي، كما ترشح لجائزة السعفة الكويرية. كما نال الفيلم تقييمات إيجابية واستحسان عالي من الجمهور. حيث أعلنت سينما زاوية في مصر أن الفيلم مكتمل العدد قبل عرضه بأيام قليلة ضمن بانوراما الفيلم الأوروبي.

كيف نشاهد الفيلم؟

الفيلم متاح للمشاهدة عبر الإنترنت وتُرجم إلى اللغة العربية بواسطة المترجم المتميز نزار عز الدين.

كتابة: كاميليا يسري

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.