في عالم يفترض أن الرغبة الجنسية أمر طبيعي وثابت، تبرز اللاجنسية كمفهوم يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والجنس، ويكسر التصورات النمطية حول الطبيعة البشرية. وعلى الرغم من أن اللاجنسية ليست جديدة، إلا أن الوعي بها حديث نسبيًا، ولا تزال تُواجه بالتجاهل وسوء الفهم.
اللاجنسية (Asexuality) واحدة من أكثر الهويات الجنسية التي يُساء فهمها سواء داخل المجتمعات المحافظة أو حتى في بعض الأوساط الكويرية.
ورغم تزايد الوعي بهذه الهوية وطيفها الواسع في السنوات الأخيرة، إلا أن العديد من الخرافات والمفاهيم الخاطئة لا تزال شائعة، مما يُؤثر سلبًا على الأشخاص اللاجنسيين ويُعزز شعورهم بالعزلة أو التشكيك في ذواتهمن.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على أبرز الخرافات المرتبطة باللاجنسية، ونفككها استنادًا إلى مفاهيم علمية وتجارب مجتمعية.
اللاجنسيين “ما جربوش لسة” أو “لسه ما لقوش الشخص الصح”
تُعتبر هذه من أكثر الخرافات شيوعًا، وتفترض أن اللاجنسية حالة مؤقتة أو نتيجة ظروف نفسية أو اجتماعية أو غياب للتجربة. ولكن الحقيقة أن اللاجنسية ليست مرحلة ولا غيابًا للتجربة، بل هي توجه جنسي حقيقي ومستقل، يتمثل في غياب أو انخفاض الانجذاب الجنسي للآخرين، سواء وُجد “الشخص الصح” أم لا.
في دراسة أجراها الباحث Anthony Bogaert، وُجد أن ما يقرب من 1% من العينة لم يسبق لهم أن شعروا بانجذاب جنسي لأي شخص، ما يُشير إلى أن هذا التوجه ليس مرتبطًا بالخبرة والتجربة الجنسية السابقة.
اللاجنسيين مرضى نفسيًا أو تعرضوا لصدمات
يفترض البعض أن اللاجنسية نتيجة صدمة جنسية أو اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق، لكن الدراسات تنفي ذلك. اللاجنسية ليست اضطرابًا نفسيًا، ولا يتم تصنيفها كخلل في أي من الأدلة الطبية النفسية مثل DSM-5 أو ICD-11.
تُشير أبحاث متعددة، منها دراسات نشرتها Journal of Sex Research، إلى أن اللاجنسيين قد يواجهون تحديات نفسية بسبب الوصمة أو العزلة المجتمعية، ولكن هذا لا يعني أن هويتهم اللاجنسية ناتجة عن مرض نفسي.
اللاجنسيين لا يشعرون بالحب أو لا يرغبون في العلاقات
واحدة من أكثر المفاهيم المغلوطة عن اللاجنسية هي الخلط بين الانجذاب الجنسي والانجذاب العاطفي. العديد من الأشخاص اللاجنسيين يدخلون علاقات عاطفية، ويشعرون بالحب والرغبة في الارتباط، بل وقد يكون لديهم رغبة في تكوين عائلة أو زواج.
بعض اللاجنسيين يندرجون تحت هويات مثل “الرومانسيون اللاجنسيون” (Aromantic Asexuals) أو “الرومانسيون المتغايرون” (Heteroromantic Asexuals)، ما يُظهر تنوع الرغبات والميول العاطفية داخل الطيف اللاجنسي.
اللاجنسيين لا يمارسون الجنس أبدًا
في الواقع، بعض الأشخاص اللاجنسيين قد يختارون ممارسة الجنس لأسباب عاطفية، أو لإرضاء شركائهم، أو حتى من باب الفضول، دون أن يشعروا بانجذاب جنسي. ممارسة الجنس لا تنفي اللاجنسية، تمامًا كما أن الامتناع عنها لا يُثبتها. التوجه الجنسي يُحدَّد بالانجذاب وليس بالسلوك فقط.
اللاجنسية مجرد موضة جديدة
يعتقد البعض أن اللاجنسية ظاهرة حديثة نشأت على الإنترنت، لكنها في الواقع كانت موجودة عبر التاريخ، وإن لم يكن يُطلق عليها هذا الاسم. ظهور اللاجنسية في النقاشات العامة أو الإعلام لا يعني أنها اختُرعت حديثًا، بل أن المجتمعات أصبحت أكثر قدرة على الحديث عنها والوعي بها.
منذ أوائل القرن العشرين، بدأ باحثون مثل Magnus Hirschfeld بالحديث عن أشخاص لا يشعرون بانجذاب جنسي، واليوم أصبحت المجتمعات الأكاديمية والحقوقية تعترف بها بشكل أوضح.
اللاجنسيون “بيكرهوا الجنس” أو “ضد العلاقات”
العديد من اللاجنسيين ليس لديهم موقف سلبي من الجنس كممارسة أو كفكرة، وإنما لا يشعرون بانجذاب جنسي شخصيًا. البعض منهم قد يكون متقبلًا لمفهوم الجنس في المجتمع، أو قد يستهويه الحديث عن العلاقات، أو قد يكون نشطًا في النقاشات الكويرية حول الجسد والرغبة، دون أن يشعر بانجذاب جنسي مباشر.
اللاجنسية لا تحتاج إلى مجتمع أو تمثيل
يعتقد البعض أن اللاجنسية لا تحتاج إلى حيز تمثيلي أو سياسي، وهذا يهمّش وجودها. في الواقع، يعاني الأشخاص اللاجنسيين من الإقصاء، سواء في الحوارات العامة أو في السياسات الصحية والجنسية. التمثيل اللاجنسي ضروري لتوفير فهم أعمق، ودعم نفسي واجتماعي، وخلق فضاءات آمنة للحديث عن التجربة وتلبية الاحتياجات الصحة للاجنسيين بشكل دقيق.