في خطوة اعتبرها ناشطون حقوقيون تصعيدًا خطيرًا ضد الحريات الفردية وحقوق الخصوصية في مصر، نشرت جريدة “صوت الأمة” المصرية تحقيقًا صحفيًا في 28 يوليو 2018 يزعم كشف التنظيم السري للمثليين في مصر بعنوان مثير للجدل:
“وثائق أخطر تنظيم للشواذ على الإنترنت”
التحقيق الذي شغل صفحة كاملة من قسم التحقيقات في الصحيفة، أعده الصحفي “مصطفى مكي”، وتضمن ادعاءات صادمة واستفزازية، مدفوعة بخطاب تحريضي واضح ضد مجتمع الميم (LGBTQ+)، وتحديدًا المثليين ومزدوجي الميول الجنسية في مصر.
ادعاء “السبق الصحفي” باستخدام وسائل غير قانونية
اعتمد التحقيق على إنشاء حساب مزيف عبر تطبيق جرايندر Grindr، أحد أشهر تطبيقات المواعدة المخصصة للمثليين حول العالم. من خلال هذا الحساب، قام الصحفي بانتحال شخصية مثلية، ثم جمع صورًا خاصة لمستخدمين دون علمهم أو إذنهم، وقام بنشر صور لواجهة التطبيق مصحوبة بتعليقات تشويهية وتحريضية، مما يمثل انتهاكًا صارخًا للخصوصية، يتعارض مع كل من القوانين المصرية والدستور المصري نفسه.
ورغم ذلك، وصف الكاتب ما قام به بأنه “كشف صحفي”، في تجاهل تام لحقيقة أن التطبيق متاح علنًا عبر متاجر الهواتف الذكية، وأن لا شيء فيه سري أو يستحق وصف “تنظيم سري”، كما ادّعى.
تعميم واتهامات لا أساس لها: من الخصوصية إلى الوصم
التحقيق ربط بشكل فج بين استخدام التطبيق وبين “ممارسة الدعارة”، حيث زعم الصحفي أن “جميع مستخدمي التطبيق يعملون بالجنس التجاري”، دون أي مصدر أو دليل أو إحصائية.
كما ربط بين الوضع الاقتصادي الصعب في مصر ووجود ميول مثلية لدى بعض الشباب، في استنتاج سطحي وغير علمي، يتجاهل الحقيقة الراسخة عالميًا بأن الهوية والميول الجنسية لا علاقة لها بالوضع الاقتصادي أو الاجتماعي. ويكفي الإشارة إلى دول مثل السويد، التي تتمتع بأعلى مستويات الرفاهية في العالم، وتحتضن في الوقت ذاته مجتمعات ميم مزدهرة.
خطاب الكراهية: امتداد لنهج تحريضي مستمر ضد المثليين في مصر
لم يكن هذا التحقيق استثناءً، بل حلقة جديدة في سلسلة من الخطابات الإعلامية المعادية للمثليين، التي اعتادت بعض الصحف الهامشية على الترويج لها في مصر. فمنذ سنوات، يواجه مجتمع الميم المصري حملات مستمرة من:
- التحريض الإعلامي ضدهم
- اتهامهم بالتآمر مع “الغرب”
- تصوير المثلية الجنسية كمؤامرة ثقافية تهدد “الأمن القومي”
- استخدام مصطلحات مهينة مثل “شواذ”، بدلًا من التسميات العلمية أو الحقوقية المعترف بها
ويزداد الأمر خطورة عندما يُنشر هذا النوع من المحتوى تحت مظلة صحافة يُفترض بها أن تلتزم بمواثيق الشرف الإعلامي وأخلاقيات العمل الصحفي.
ردود فعل غاضبة من الحقوقيين والنشطاء
أثار التحقيق استنكارًا واسعًا من قبل ناشطين حقوقيين محليين ودوليين، اعتبروا أن ما نُشر يُعد بمثابة تحريض علني ضد أفراد مجتمع الميم، ويعرض حياتهم للخطر، خصوصًا في بلد تُجرّم فيه المثلية ضمنيًا من خلال قوانين “الآداب العامة”، ويُعتقل فيه الأفراد على خلفية ميولهم الجنسية أو هوياتهم الجندرية.
كما حذر ناشطون من أن هذا النوع من الصحافة قد يؤدي إلى حالات عنف أو انتحار، في بلد يندر فيه وجود شبكات دعم نفسي أو قانوني للأقليات الجنسية، وتنتشر فيه الوصمة المجتمعية العميقة تجاه المثليين.
الخصوصية ليست ترفًا… إنها حق إنساني
وفقًا للمادة 57 من الدستور المصري لعام 2014، فإن للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تُمس، والمراسلات والاتصالات الخاصة لها حماية قانونية. ومع ذلك، فإن الصحفي المذكور انتهك هذه المواد صراحة عبر تجسّس إلكتروني، وانتحال هوية، ثم نشر صور دون إذن.
لكن الغريب أن مثل هذه الانتهاكات لم تُقابل بأي تحقيق قانوني أو إداري، في ظل بيئة إعلامية تفتقر إلى الرقابة المستقلة والمساءلة الحقيقية.
إلى أين يتجه الإعلام المصري؟
في الوقت الذي تتجه فيه صحافة العالم نحو تبنّي خطاب أكثر شمولًا واحترامًا للتنوع البشري، لا تزال بعض الصحف في مصر تنجرف نحو التحريض والتشهير والانتهاك الصريح لحقوق الإنسان، مما يضع الصحافة المصرية أمام مسؤولياتها الأخلاقية والمهنية.
إن ما نُشر في “صوت الأمة” لا يجب أن يُنظر إليه كتحقيق صحفي، بل كدرس في ما يجب ألا تكون عليه الصحافة، ودعوة لمراجعة جادة لدور الإعلام في احترام كرامة الإنسان، أيًا كان توجهه أو هويته.