أطياف
مثليين

مصر: الأحضان والقبلات بين الرجال تثير جدلاً بين قضاة وصفوها بأنها تهدد الرجولة وتخص المثليين

تدوينة تثير الجدل في الوسط القضائي والمجتمعي

في الخامس من أكتوبر 2018، أثارت تدوينة نشرها المستشار سامي بريك، الرئيس بمحكمة الاستئناف والقاضي بمحكمة جنايات طنطا، على صفحته الشخصية عبر “فيسبوك” جدلاً واسعاً بين القضاة والمتابعين على حد سواء.

تناولت التدوينة ما وصفه القاضي بظاهرة “الأحضان والبوس بين الرجال”، معتبراً أنها انتشرت بشكل “مخيف” وتتطلب الوقوف عندها، مناشداً بتركها حفاظاً على “الرجولة” وتفادياً لانتشار “الأمراض”.

انتقادات القاضي سامي بريك: “موضة” تهدد الرجولة؟

في تدوينته، أبدى المستشار بريك انزعاجه مما رآه مظهراً متنامياً في المجتمع المصري، وخاصة في الريف، قائلاً:

“ظاهرة البوس بين الرجال باتت تستحق الدراسة، لأنها زادت عن الحد… وكان من النادر لما تلاقي راجل بيبوس راجل من الخدين.”

وأضاف متعجباً من طريقة التعبير عن التحية التي باتت تشمل “أربع بوسات” و”طبطبة على الظهر ممكن تكسر الضلوع”.

وانتقد القاضي أيضاً مشاهد العزاء، حيث يتكرر هذا السلوك حتى أثناء تشغيل القرآن، واصفاً الأمر بأنه بات “من دون مراعاة حرمة الموت”.

دعوة للعودة إلى التحية التقليدية

المستشار سامي بريك اختتم تدوينته بدعوة صريحة قائلاً:

“دعوة مخلصة.. تعالوا نترك هذه العادة القبيحة ونعود لسلام الرجال باليد فقط بدون بوس ولا أحضان، حفاظاً على رجولتنا، ومنعاً لانتشار الأمراض، وما أكثرها.”

وقد جاءت هذه الدعوة في وقت تشهد فيه المجتمعات الناطقة بالعربية وفي شمال أفريقيا والشرق الأوسط تحولات اجتماعية وتغيرات في أنماط التعبير عن المشاعر، بما في ذلك بين الذكور.

ردود فعل متباينة من القضاة

لم تمر تدوينة المستشار بريك مرور الكرام، فقد أثارت ردود فعل متباينة من قبل عدد من القضاة. من بينهم المستشار محسن هيكل، الرئيس بمحكمة الاستئناف والقاضي بمحكمة جنايات الإسكندرية، الذي قال:

“في أوروبا ينظر إلى من يفعل ذلك على أنه من المثليين.”

بينما تهكم قضاة آخرون على ما جاء في التدوينة، حيث علق المستشار محمد الديب قائلًا:

“ممكن واحدة من النص وخلاص معالي الباشا.”

ورد المستشار محمد ناصف ساخرًا:

“البوست ده يستاهل 100 بوسة معالي المستشار.”

خلفية اجتماعية: تعبيرات الجسد بين الرجولة والمثلية

في بعض الثقافات المجتمعية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، يتسم التعبير الجسدي عن المشاعر بين الرجال بطابع تقليدي ومحافظ، غير أن مشاهد العناق والتقبيل بين الذكور ليست جديدة، بل تعود لعقود طويلة خاصة في المناسبات الدينية والعائلية.

غير أن تنامي الوعي بقضايا المثليين ومجتمع الميم في الدول الناطقة بالعربية – في ظل المناخ المحافظ والمشحون بالرفض – بات يدفع البعض إلى إعادة تفسير هذه السلوكيات الاجتماعية التقليدية من منظور جنسي، وهو ما ظهر بوضوح في تدوينة المستشار بريك.

في المقابل، يرى العديد من علماء الاجتماع أن مثل هذه السلوكيات – الأحضان والقبلات بين الرجال – تعكس في كثير من الأحيان القرب العاطفي والثقة، ولا تعني بالضرورة ميولاً جنسية معينة.

التوظيف الإعلامي والحساسية من المثليين

تعكس ردود الفعل على التدوينة وما تلاها من تعليقات قضاة آخرين، نوعاً من الهوس المجتمعي بالمثلية في الدول الناطقة بالعربية، حيث تُربط بها أي سلوك خارج ما يُنظر إليه كأطر “رجولية”.

وقد علّق البعض على السوشيال ميديا بأن “هوس كراهية المثليين سيمنع كل شيء في الحياة، حتى التنفس، فقط لأن المثليين يفعلونه.”

دعوة للتوازن والفهم العميق

يثير هذا الجدل أسئلة أعمق حول العلاقة بين الهوية الجندرية، وتعبيرات الجسد، والمعايير الثقافية في المجتمعات الناطقة بالعربية.

فهل نحتاج إلى مراجعة مفاهيمنا حول “الرجولة”؟ وهل يجب أن يكون التعبير عن الود بين الأصدقاء محصورًا في إطار جامد؟

في النهاية، تبقى الدعوة إلى الاحترام المتبادل، وعدم التسرع في إطلاق الأحكام على السلوكيات الاجتماعية، هي السبيل الأمثل لبناء مجتمع أكثر تفهماً وتسامحاً.

رهاب المثلية يهدد العلاقات الإنسانية ويزرع العنف الرمزي

في صميم هذا الجدل، تكمن إحدى أخطر نتائج رهاب المثلية في المجتمعات المحافظة: وهو زرع العدائية والخوف المرضي تجاه كل مظاهر الحميمية بين الرجال، حتى لو كانت ضمن سياقات غير جنسية تمامًا مثل التحية، والدعم النفسي، أو التعبير عن الحزن.

حين تُوصَم الأحضان والقبلات – التي طالما كانت سلوكاً اجتماعياً طبيعياً في الثقافة العربية – بأنها “غير رجولية” أو حتى “شاذة”، فإن ذلك لا يؤدي فقط إلى تقييد حرية التعبير الجسدي، بل يخلق أيضًا بيئة تشجع على العنف الرمزي ضد أي تعبير عاطفي بين الذكور.

وفي بعض الحالات، يتحول هذا العنف الرمزي إلى عنف فعلي، كما يظهر في حوادث تنمر، وطرد اجتماعي، أو حتى اعتداء جسدي.

يرى خبراء علم النفس الاجتماعي أن الهوموفوبيا أو رهاب المثلية وكراهية المثليين لا تضر فقط بالمثليين، بل بالمجتمع ككل.

إذ تشجع على الانفصال العاطفي بين الذكور وتغذي صورة “الرجولة السامة” التي تقوم على الصلابة والعزلة بدلاً من الرحمة والدعم.

في دراسة أُجريت عام 2016 بجامعة “إلينوي” الأمريكية، أكد الباحثون أن الرجال الذين يشعرون بالخوف أو الغضب عند مشاهدة مظاهر حميمية بين رجال آخرين، كانوا أيضًا أكثر عرضة لإظهار سلوك عدواني، سواء لفظيًا أو جسديًا.

كما أظهرت الدراسة أن هذه الأنماط السلوكية ناتجة عن تربية اجتماعية تعتبر “الشعور العاطفي” تهديداً للرجولة.

في السياق المجتمعات الناطقة بالعربية، حيث تتداخل الهوية الدينية والعادات الاجتماعية والسياسات المقيدة، يصبح أي سلوك حميمي بين الرجال معرضاً للتشكيك والتجريم، مما ينعكس سلباً على جودة العلاقات الإنسانية ويزيد من عزلة الأفراد عاطفياً ويؤثر على الصحة النفسية والصحة العامة للرجال.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.