فلسطين حرة

من هي الممثلة الكويرية التي قالت “فلسطين حرة” في جوائز الإيمي وأشاد بها الإعلام العربي؟

في ليلة 14 سبتمبر/أيلول 2025، اعتلت الممثلة الكوميدية والمُعلنة عن ذاتها كمزدوجة التوجه الجنسي/امرأة كويرية هانا أينبندر (Hannah Einbinder) مسرح حفل جوائز إيمي لتتسلم جائزة أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في مسلسل “Hacks” (هاكس).

وبينما كانت تمسك بجائزتها، ختمت خطابها بعبارة مباشرة أحدثت جدلاً عالميًا: «Go birds، f**k ICE، وفلسطين حرة». الكلمات الأخيرة قوبلت بالتصفيق الحار داخل القاعة، لكنها سُجّلت كإحدى اللحظات الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الجوائز التلفزيونية الأمريكية.

العبارة، التي جرى حجبها جزئيًا في النقل التلفزيوني، تضمنت ثلاث رسائل: دعمها لفريقها المفضل Philadelphia Eagles (فيلادلفيا إيجلز)، شجبها لسياسات وكالة الهجرة الأمريكية (ICE) التي تنكل بالمهاجرين منذ عودة ترمب للبيت الأبيض، وتضامنها مع الشعب الفلسطيني.

بالنسبة لجمهور إيمي العالمي، كان هذا المزيج غير المألوف من الهتاف الرياضي، والسياسة الداخلية الأمريكية، والقضية الفلسطينية، تعبيرًا عن هوية فنانة ترفض أن تفصل بين قناعاتها الشخصية وأدائها الفني.

مسيرة فنية وهوية معلنة

هانا أينبندر، المولودة عام 1995 في لوس أنجلوس لعائلة فنية، اشتهرت سريعًا بصعودها في عالم الكوميديا والتمثيل.

من خلال “Hacks”، جسّدت شخصية الكاتبة الشابة الكويرية أفا، التي تدخل في علاقة عمل مع الكوميدية المخضرمة ديبورا فانسي (تلعبها النجمة جين سمارت). المسلسل، الحاصل على إشادات نقدية واسعة، فتح الباب أمام هانا أينبندر لتصبح صوتًا بارزًا بين الممثلات الكويريات في هوليوود.

بصفتها ممثلة يهودية وكويرية، لم تتردد هانا أينبندر في توظيف مكانتها الفنية للحديث عن قضايا تتجاوز الشاشة. تصريحاتها عن فلسطين في حفل إيمي لم تكن حدثًا معزولًا، بل امتدادًا لمواقف سابقة عبرت عنها علنًا.

ليس للمرة الأولى: أينبندر وفلسطين في الفضاء الكويري

في 24 مارس/آذار 2025، وقبل أشهر من فوزها في إيمي، ألقت هانا أينبندر خطابًا مؤثرًا خلال فعالية نظمتها منظمة هيومن رايتس كامبين (Human Rights Campaign)، إحدى أبرز المؤسسات الحقوقية الكويرية في الولايات المتحدة.

في ذلك الخطاب، ربطت بين كويريتها ويهوديتها بوصفهما تقاليد إنسانية للعدالة الاجتماعية، قائلة:

“كويريتي تقليد من تقاليد العدالة الاجتماعية، وكذلك يهوديتي… أشعر بالرعب من مجازر الحكومة الإسرائيلية التي قتلت أكثر من 65 ألف فلسطيني في غزة… أشعر بالخزي والغضب لأن هذه المجازر تُموَّل من أموال دافعي الضرائب الأمريكان.”

كلماتها جاءت في سياق صريح يربط بين نضالات مجتمع الميم وقضية فلسطين، معتبرة أن رفض قتل المدنيين يجب ألا يكون موضع خلاف. اختيارها لمنصة كويرية لإعلان هذا الموقف أظهر وعيها بضرورة بناء جسور بين قضايا العدالة المتقاطعة عالميًا.

ازدواجية الإعلام العربي: إشادة وتجاهل

اللافت أن العديد من وسائل الإعلام العربية سارعت لنشر تصريحات هانا أينبندر حول فلسطين، واحتفت بها باعتبارها فنانة أمريكية ويهودية تنتقد إسرائيل علنًا.

لكن في الوقت نفسه، مارست هذه المنصات ما يشبه “الانتقاء الممنهج”: إذ تجاهلت هوية هانا أينبندر الكويرية تمامًا، بل استبدلت كلمة “كوير” التي استخدمتها في خطابها بكلمة “ممثلة” فقط.

هذا النمط لا يمكن اعتباره خطأً عرضيًا، بل يعكس ازدواجية راسخة في الخطاب الإعلامي العربي. فبينما تحتفي هذه المنصات بأي صوت عالمي يرفع شعار “فلسطين حرة”، فإنها في المقابل تبني سرديات قائمة على رفض وكراهية المثليين والترانس والكويريين محليًا وإقليميًا، وتقصي أي ظهور علني للكويريين وأفراد مجتمع الميم في الفضاء العام.

والعكس أيضًا صحيح: إذ حين يتعلّق الأمر بشخصية كويرية أو حدث كويري مرتبط بإسرائيل، نجد أن العديد من وسائل الإعلام العربية تبالغ في تسليط الضوء عليه، وتوظّفه ضمن خطابها التقليدي حول أن “المثلية والعبور الجنسي والكويرية جزء من الأجندة الإسرائيلية–الأمريكية-الغربية”.

هكذا تتحول الهوية الكويرية في التغطية العربية إلى أداة مرنة: تُمحى عندما تقاطع رواية داعمة لفلسطين، وتُضخّم عندما تخدم إطارًا دعائيًا قائمًا على التخويف والتحريض والعنف ضد المثليين والترانس والكويريين.

صدى عالمي وأفق مفتوح

تصريحات هانا أينبندر في إيمي، وخطابها السابق في هيومن رايتس كامبين (Human Rights Campaign)، وضعتها في صدارة النقاشات العالمية حول تقاطع الفن مع السياسة والهوية.

بالنسبة لجمهور عالمي، وخاصة الجمهور الكويري في الدول الناطقة بالعربية، تمثل هذه المواقف فرصة للتأمل في معنى التضامن الحقيقي: تضامن لا يقبل التجزئة، ولا يخضع للانتقائية الإعلامية أو السياسية.

كما أنها تعكس تحوّلًا في هوليوود نفسها، حيث لم يعد بإمكان المؤسسات الكبرى تجاهل أصوات الفنانين الكويريين وهم يربطون بين معاركهم الخاصة وقضايا إنسانية كبرى مثل فلسطين.

هانا أينبندر اليوم ليست مجرد ممثلة بارعة أو فائزة بجائزة مرموقة. إنها نموذج لفنانة تستخدم منصاتها لتفكيك الحدود بين الفن والسياسة، بين الهوية الفردية والنضال الجماعي.

كلماتها في حفل إيمي، وقبلها في فعالية حقوقية كويرية، وبشكل مستمر عبر منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مناسبات متنوعة، تسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الأصوات الكويرية في بلداننا والعالم، حيث يُحتفى بمواقفها السياسية بينما يُمحى حضورها الكويري عمدًا.

السؤال الذي يظل مطروحًا أمام الإعلام العربي وجمهوره: هل يمكن الاحتفاء بفنانة تقول “فلسطين حرة” دون أن نتجاهل أنها قالتها أيضًا بصفتها امرأة كويرية؟