في أحد مساءات يوليو العادية، وبينما أتصفح انستجرام كعادتي قبل النوم، صادفت منشورًا لنجم البورن المفضل لدي. صورة رومانسية، نظرة متبادلة، وكلمات بسيطة: “وجدت الحب أخيرًا”.
توقفت لثوانٍ. شعرت بشيء غريب في صدري. لم تكن غيرة تمامًا، ولم تكن سعادة صافية. كانت أقرب إلى خسارة غامضة، كأن شيئًا ما في عالمي الخاص قد انهار بصمت، دون أن يدري أحد.
كنت أتابع “آدم” منذ أكثر من ثلاث سنوات. لم يكن مجرد “ممثل بورن” بالنسبة لي، بل كان امتدادًا لخيالاتي عن الحنان، والرجولة، والجسد، والحب.
كان وجهه أول ما أبحث عنه في المواقع وعبر اكس وانستجرام وعلى كل المنصات التي يتواجد عليها، كما كان صوته في المقابلات القصيرة مثل الموسيقى المريحة التي تأتي بالنوم في ليالي السهر الصيفية أو الأرق الشديد.
لم أقع في غرامه فجأة. شيئًا فشيئًا، تحوّل حضوره في حياتي من إثارة جنسية عابرة إلى حضور دائم، ثابت، ومألوف، كأنني أعرفه فعلًا.
في لحظات وحدتي، كنت أعود إلى مشاهد آدم، لا لأنني أبحث عن إثارة، بل لأنني أبحث عن الطمأنينة والتواجد والحب.
حين أعلن آدم عن حبه، شعرت أنني “خسرت” شيئًا لم أكن أملكه أساسًا. شعرت بالغباء والحماقة والسذاجة وكل الكلمات التي تصف هذا الشعور المزعج والمحرج.
كيف سمحت لنفسي أن أتوهم علاقة من طرف واحد مع شخص لا يعرف عني شيئًا؟ لا يعرف حتى أني أتنفس. كيف يمكن لشيء بهذا القدر من الوهم أن يكون بهذا القدر من الألم؟
وفي نفس الوقت، شعرت بالذنب. أليس واجبي كشخص مثلي أن أفرح له؟ أن أحتفل بحب كويري حقيقي، علني، وجميل؟ وأنا أعرف تمامًا صعوبة أن يجد المثليين الحب -أتكلم عن واقع أعيش فيه لأكثر من 25 عامًا- لماذا تحولت قصته إلى مرآة تعكس وحدتي وتضعني بكل قسوة أمام بؤسي، بدلاً من أن تمدّني بالأمل؟
نحن المثليين، نعيش في مجتمعات تُجبرنا غالبًا على إخفاء حبنا، وقمع رغباتنا، تُجبرنا أن نعيش في ظل السرية، فيلجأ بعضنا إلى خيالات الحب والإشباع التي تمنحنا إياها مشاهد البورن رغم معرفتنا جيدًا بأن هذه السعادة هي نص مكتوب، وأن هؤلاء العشاق هم ممثلون يتقاضون أجرًا لقاء تصوير تلك المشاهد التي تنتشلنا مؤقتا من بؤسنا، لتساعدنا على تخيل ما لا يمكننا الحصول عليه في أرض الواقع، مما يجعل بعض وجوه الشاشة تتحول—ممثلون، ومغنيون، ونجوم بورن، أو شخص يعيش في النصف الآخر من الكوكب—إلى أكثر من مجرد مشاهير.
نصنع منهم رموزًا، نعلّق عليهم رغباتنا المكبوتة، نمنحهم أدوارًا في مسلسلاتنا العاطفية السرية داخل عقولنا.
البورن المثلي، خصوصًا في مجتمعاتنا العربية، ليس فقط وسيلة للإثارة. إنه أحيانًا نافذتنا الأولى نحو عالم من الجسد المثلي غير الخجول، من الحب بين الرجال، من الحميمية التي لا نراها في شوارعنا ولا في شاشاتنا الرسمية، فليست لدينا مسلسلات نتابع فيها قصص حب بين رجلين يعيشون حياتنا ويمشون في شوارعنا ويتكلمون لغتنا، ولا تحتفي قاعات الأفراح في مدننا بعلاقة بين رجلين. لا تتركنا مجتمعاتنا نسمع عن علاقة بين رجلين سوى في سياقات بائسة ومأساوية تنتهي بأشكال درامية يتسع إدراكي بها يومًا بعد يوم، حتى أني لا أصدق ما أعرفه أو أسمعه أحيانًا، وأشعر أنها مبالغات درامية ليس إلا.
لكن هذه النافذة على الحب والحميمية الحرة والعارية بين الرجال يمكن أن تُغلق فجأة، عندما يدرك قلبك أنه لم يكن ينظر عبرها فحسب، بل كان يسكنها.
ما بعد الاعتراف: ماذا أفعل بهذا القلب؟
لم أعد أتابع آدم بنفس الطريقة. ما زلت أحبه -أتساءل عن حقيقة هذا الحب؟-، ربما، لكنني بدأت أضع مسافة بيني وبين الشاشة. صرت أبحث عن علاقات حقيقية، وإن كانت أكثر هشاشة. صرت أعترف لنفسي بأن حاجتي للحب لا تُشبعها صورة، ولا منشور، ولا فيلم، مهما كان حميميًا.
لم يخذلني آدم. أنا فقط تعلّقت بشخص اخترعته في رأسي. ومع ذلك، لا ألوم نفسي. فأن نحب، حتى من بعيد، هو أيضًا شكل من أشكال الحياة. وربما، في هذا الحب المستحيل، نجد مرآة لما نحتاجه فعلاً: القرب، والأمان، والاعتراف.