كشفت “هيومن رايتس ووتش”، بالتعاون مع جمعيتي “حلم” و”موزاييك”، في تقرير جديد من 101 صفحة وفيديو ميداني أُطلقا اليوم، أن النساء الترانس في لبنان يواجهن عنفاً وتمييزاً بنيويين يحرمانهن من أبسط حقوقهن الإنسانية.
جاء التقرير بعنوان “ما تعاقبني لأني أنا هيك: التمييز البنيوي ضد النساء الترانس في لبنان”، واستند إلى مقابلات مع 50 امرأة ترانس في لبنان، من بينهن لبنانيات، ولاجئات، وعديمات الجنسية، إلى جانب نشطاء ومختصين في الصحة والقانون.
تمييز يبدأ من البيت ويستمر في الشارع
أظهرت المقابلات أن العنف ضد النساء الترانس غالباً ما يبدأ داخل الأسرة، من خلال الضرب، الحبس، والإقصاء، ما يدفع الكثيرات منهن إلى الهروب من منازلهن دون أي ملجأ آمن أو دعم قانوني.
مع غياب الملاجئ الخاصة بالنساء الترانس، يُجبرن على دخول سوق الإسكان غير الرسمي، حيث يتعرضن للتمييز من المالكين والجيران وحتى الطرد القسري من قبل الشرطة.
منبوذات في الشارع والمستشفيات
نقلت العديد من النساء الترانس أنهن لا يشعرن بالأمان في الأماكن العامة. أشارت شهاداتهن إلى تعرضهن للمضايقات من قِبل قوى الأمن، بما في ذلك التوقيف، العنف، والإذلال، وصولاً إلى التعذيب. كما يُحرم العديد منهن من العلاج في المستشفيات بسبب هويتهن الجندرية.
إحدى النساء قالت: “كنت أبصق دماً على باب المستشفى، لكنهم رفضوا إدخالي لأنني ترانس… كان من الممكن أن أموت أمامهم.”
عقبات في العمل والهوية القانونية
تشير المنظمة إلى أن الغالبية الساحقة من النساء الترانس يعانين من التمييز في سوق العمل بسبب عدم تطابق مظهرهن الجندري مع أوراق هويتهن الرسمية. فغياب عملية قانونية بسيطة لتغيير الاسم والجندر يجعل الوصول إلى فرص العمل والرعاية الصحية أمراً بالغ الصعوبة.
رغم وجود حكم قضائي عام 2016 يجيز لرجل ترانس تغيير اسمه ونوعه الاجتماعي دون الخضوع للجراحة، إلا أن هذا الحكم لا يشكل سابقة قانونية، ويظل الوصول إلى هذه التعديلات مشروطاً بتكاليف عالية وإجراءات قضائية معقدة.
عنف بلا محاسبة… وصمت حكومي
يواجه الأشخاص الترانس في لبنان تحرشاً وعنفاً من قبل أفراد في المجتمع دون أي محاسبة. تُرغم الكثيرات على إخفاء هوياتهن خوفاً من التنمر أو الاعتداء. إحدى النساء وصفت حياتها اليومية بالقول: “بحس إنو مي مغلية عم تنكب عليّ وأنا ماشية بالشارع.”
وفي حالات الاعتقال، يوضع النساء الترانس في زنازين الرجال، ويُجبرن على الاعتراف تحت الضغط والتعذيب.
دعوة إلى تحرك عاجل
طالبت “هيومن رايتس ووتش” الحكومة اللبنانية بسن قوانين تحمي الترانس من التمييز والعنف، وتسهيل عملية تعديل الوثائق القانونية على أساس الهوية الجندرية دون اشتراط الجراحة أو التقارير الطبية.
كما دعت الجهات المانحة إلى دعم مبادرات يقودها أشخاص ترانس لتوفير الرعاية الصحية، المساعدة القانونية، وفرص العمل، بالإضافة إلى إنشاء ملاجئ طارئة في مختلف المناطق اللبنانية.
من الشهادات المروّعة
- رندة (25 عاماً)، لاجئة ترانس سورية، تحدثت عن احتجازها خمسة أشهر في رومية، تعرضت خلالها للتعذيب والحرمان من الطعام والرعاية الطبية.
- إلسا (50 عاماً)، امرأة ترانس لبنانية، قالت إنها رُفضت من جميع فرص العمل بسبب بطاقتها التي ما تزال تشير إلى أنها “ذكر”.
- لولا (42 عاماً)، صُرفت من عملها في المطار بسبب شعرها الطويل رغم التزامها بساعات عمل شاقة مقابل راتب متدنٍ.
- ديانا (27 عاماً)، أوضحت كيف أُجبرت على دفع رشوة للمختار من أجل تجديد هويتها بصورة حديثة لها، بعد سلسلة من الإهانات بسبب شكلها.
“الهوية ليست خياراً”
تختتم لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، قائلة:
“أُجبرت النساء الترانس في لبنان على إخفاء هوياتهن فقط من أجل البقاء، لكن لا يمكن للحكومة الاستمرار بادعاء الجهل بالعنف والتمييز الذي يواجهنه. بمشاركة قصصهن، تطالب النساء الترانس بأن يُنظر إليهن، وأن تُحترم إنسانيتهن وحقوقهن.”