كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير مؤثر عن الواقع القاسي الذي تعيشه النساء الترانس في لبنان، مسلطة الضوء على قصة ماريا، وهي امرأة ترانس نجت من تعنيف منزلي مروّع لتواجه لاحقًا سلسلة من الانتهاكات المؤسسية والاجتماعية، تعكس أزمة أوسع يعاني منها أفراد مجتمع الميم في البلاد.
“أراد إخراج المرأة التي في داخلي… بضربي”
كان عمر ماريا 18 عامًا عندما فرت من منزل والدها الذي قيّدها بسلاسل حديدية لأسابيع وضربها حتى فقدت الوعي، فقط لأنها عبّرت عن هويتها الجندرية. لم تنته المعاناة عند أبواب العائلة، بل امتدت إلى الشارع، والعمل، والسكن، وحتى مؤسسات الدولة.
تقول ماريا إنها فقدت عملها بسبب مظهرها “الأنثوي”، وطُردت من صالون كانت تعمل فيه بصعوبة لتأمين مصاريفها اليومية. عند محاولتها استئجار مسكن، رفض العديد من المالكين التعامل معها بمجرد رؤية بطاقتها الرسمية التي لا تعكس هويتها الجندرية.
لكن الأسوأ كان عند نقاط التفتيش الأمنية. في إحدى المرات، بعد أن فحص عناصر الأمن بطاقتها، سخروا منها علنًا وأجبروها على خلع ملابسها في الشارع، قبل احتجازها دون سبب طوال الليل.
حياة معلّقة بين الخوف والإنكار
تعكس ماريا معاناة شريحة واسعة من النساء الترانس في لبنان، حيث التمييز متجذر في كل جانب من جوانب الحياة اليومية. أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 50 امرأة ترانس خلال العام الماضي، جميعهن أشرن إلى أن العيش الآمن والكريم في لبنان شبه مستحيل.
وقالت المنظمة إن الخيارات المتاحة أمام النساء الترانس محدودة: إما إخفاء هويتهن وتحمّل معاناة يومية، أو الظهور كما هنّ ودفع ثمن الرفض والتمييز والعنف – دون أي حماية قانونية أو دعم حكومي.
فجوة قانونية وغياب الحماية
تفتقر لبنان إلى أي قوانين تحمي الأشخاص الترانس من التمييز أو العنف، ولا توجد آلية إدارية بسيطة لتغيير الاسم والجنس في الوثائق الرسمية. يتطلب الأمر دعوى قضائية طويلة ومعقدة، عادة ما ترتبط بشرط إجراء جراحة طبية مكلفة وغير مرغوبة في كثير من الأحيان.
تقول ماريا: “نُجبر على الحديث، والمشي، وارتداء الملابس كما يريد المجتمع فقط لكي لا نتعرض للضرب من شخص غاضب. نضحي بكينونتنا بالكامل”.
بين صمت الشارع ودفء المركز
ليلى، امرأة ترانس أخرى تبلغ من العمر 34 عامًا وتحمل شهادة في تكنولوجيا المعلومات، أخفت هويتها لسنوات خوفًا من العنف. تقول إنها لا تشعر بالأمان إلا داخل مركز اجتماعي تابع لإحدى منظمات مجتمع الميم، حيث يمكنها التعبير عن ذاتها بحرية. لكنها، كما تصف، تخلع فستانها وتُقيد نفسها يوميًا قبل العودة إلى شوارع بيروت، في هيئة الرجل الذي لا تُشبهه.
دعوة ملحة للإصلاح
تدعو هيومن رايتس ووتش السلطات اللبنانية إلى:
- سن تشريعات تحظر التمييز على أساس الهوية الجندرية.
- توفير آلية إدارية بسيطة لتغيير الاسم والجنس في الوثائق الرسمية.
- إنشاء آليات حماية فعالة تُمكّن النساء الترانس من الإبلاغ عن العنف دون خوف.
- دعم الوصول العادل إلى العمل، والسكن، والرعاية الصحية دون تمييز.
“التجاهل هو عنف آخر”
تشير هيومن رايتس ووتش إلى أن التهميش البنيوي يحاصر النساء الترانس في دائرة مستمرة من الفقر، والعنف، والحرمان من الحقوق. وعندما تُمنع ماريا وغيرهن من تغيير وثائق هويتهن أو الوصول إلى العدالة، فإنهن يُمنعن من الوجود نفسه.