ملاحظة: بعض تفاصيل المقالة تحتوي على حرق للأحداث
في تطور جريء لمسلسل “لعبة الحبار” الشهير على منصة نتفليكس، سرقت شخصية “اللاعبة 120″، وهي امرأة ترانس، قلوب ملايين المتابعين في موسمه الثالث، رغم ظهورها القصير.
في المقابل، أثارت الشخصية موجة من الجدل في الدول الناطقة بالعربية، بين الترحيب النادر والرفض المتكرر لمجرد ظهور شخصية ترانس على الشاشة.
من هي اللاعبة الترانس 120؟
اسمها الحقيقي “تشو هيون-جو” (Cho Hyun-ju)، وظهرت لأول مرة في الموسم الثاني من المسلسل الكوري الجنوبي الناجح
عالميًا، حيث انضمت إلى اللعبة من أجل تأمين الأموال اللازمة لاستكمال عملية عبورها الجنسي والهرب من مجتمع يضطهدها إلى تايلاند، حيث تأمل أن تعيش كامرأة كاثوي (kathoey)، وهو مصطلح تايلاندي يشير إلى النساء الترانس ولا نمطيات الجندر.
خدمت هيون-جو سابقًا في القوات الخاصة، لكنها طُردت من الجيش بعد أن أعلنت عن هويتها الجندرية. عانت من النبذ الأسري والبطالة، فدخلت اللعبة كوسيلة يائسة لتحقيق كرامتها وتأمين مستقبلها.
في الموسم الثالث، وبالتحديد في الحلقة الثانية، تقوم هيون-جو بعمل بطولي يتمثل في حماية لاعبتين ضعيفتين: امرأة حامل ومُسنة، وتقاتل حتى النهاية لتأمين نجاتهما، لكنها تُقتل بعد أن اختارت العودة إليهما بدلاً من النجاة بنفسها.
جمهور عالمي يحتفي بـ”أعظم شخصية” في الموسم
رغم وفاتها المبكرة، لاقت هيون-جو إشادة واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي. كتب أحد المعجبين: “كانت الأقوى والأذكى والألطف. شعرت بأنها إنسانة حقيقية، مستعدة للتضحية بنفسها من أجل الآخرين”.
واعتبرها كثيرون “الفائزة الحقيقية”، رغم قواعد اللعبة القاتلة، فيما نشرت الحسابات الرسمية لـ”لعبة الحبار” صورًا ولقطات للشخصية مع تعليقات مثل “بطلتنا إلى الأبد”.
نجاح عالمي حققه مسلسل لعبة الحبار
حقق مسلسل “لعبة الحبار” نجاحًا عالميًا هائلًا منذ إطلاقه. وبحسب نتفليكس، فقد بلغ عدد مشاهدات الموسمين الأول والثاني مجتمعين حوالي 600 مليون مشاهدة، ما يجعله واحد من أنجح الإنتاجات التلفزيونية عالميًا، وذلك قبل إطلاق الموسم الثالث في 27 يونيو 2025.
انتقادات للتمثيل، ولكن إشادة بالأداء
رغم استقبالها الإيجابي، أُثير جدل كبير حول قرار منتج المسلسل “هوانغ دونغ-هيوك” بتكليف ممثل غير ترانس، “بارك سونغ-هون”، بأداء دور هيون-جو.
بعض النقاد والمشاهدين رأوا أن ذلك يُعيد إنتاج فكرة ترانسفوبية كارهة للترانس مفادها أن النساء الترانس “رجال متنكرون في ملابس نسائية”، بينما دافع آخرون عن القرار بالنظر إلى قلة الممثلات الترانس في كوريا الجنوبية، وظروف العمل الصعبة التي تمنع كثيرات من الظهور العلني.
وأوضح بارك أنه تدرب واستشار أشخاصًا ترانس لتجسيد الدور بدقة، وامتنع عن المبالغة في الأداء الصوتي أو الجسدي حفاظًا على واقعية وهيبة الشخصية، التي وصفها بأنها “قوية وملهمة وتحطم الصور النمطية”.
تمثيل نادر ومؤثر للترانس في كوريا الجنوبية
يُعتبر ظهور شخصية ترانس محورية في عمل تلفزيوني كوري بهذا الحجم خطوة مهمة وغير مسبوقة. رغم أن كوريا الجنوبية لا تجرم المثلية أو العبور الجنسي، إلا أن التمييز الاجتماعي واسع النطاق، ولا توجد قوانين تحمي حقوق الترانس بشكل صريح.
التجنيد الإجباري يُستثنى منه الأفراد الترانس فقط بعد عملية جراحية كاملة وتقييم نفسي مرهق.
كما أن التغطية الإعلامية غالبًا ما تكون سلبية، ومعدل البطالة والتشرد بين مجتمع الترانس مرتفع. في هذا السياق، تمثيل شخصية مثل هيون-جو يُعدّ انتصارًا صغيرًا ولكنه رمزي.
جدل واسع في الدول الناطقة بالعربية
في المقابل، لم تحظَ هيون-جو بنفس الترحيب في الدول الناطقة بالعربية. فور الإعلان عن الشخصية، انهالت التعليقات الغاضبة على حسابات نتفليكس الرسمية، وخرجت دعوات واسعة لمقاطعة المسلسل بسبب ما وصفه بعض المتابعين بـ”الإساءة إلى القيم والتقاليد”.
وشاركت منصات مراجعة ومؤثرون في هذه الحملة، متهمين المسلسل بـ”ترويج الانحراف”، رافضين الاعتراف بالشخصية كامرأة، ومصرّين على وصفها بأنها “رجل متنكر”.
هذه التعليقات الترانسفوبية تعكس واقعًا مأساويًا يعيشه الأفراد الترانس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يُعدّ العبور الجنسي جريمة في بعض الدول، ومصدرًا للوصم والملاحقة في غيرها.
كما يعكس الجهل المنتشر بالأفراد الترانس والعبور الجنسي في المنطقة وحتى من المشاهير وصناع المحتوى.
لماذا تمثيل الترانس مهم رغم الجدل؟
رغم الضجة، فإن ظهور شخصية كويرية ترانس بشكل إيجابي وشجاع في مسلسل عالمي يمكن أن يفتح الباب لأحاديث جديدة في المنطقة حول الهوية الجندرية والتعبير الجندري وحقوق الإنسان.
شخصية هيون-جو، بتعقيدها الإنساني وشجاعتها، تُقدّم بديلاً عن الصور النمطية السلبية التي طالما ارتبطت بالأفراد الترانس في الثقافة الشعبية.
وقد يجد فيها بعض المتابعين الناطقين بالعربية، خاصة الشباب الترانس، صورة منعشة ومُلهمة لأنفسهم، في ظل عزلة وقمع مستمرين.
عن مسلسل “لعبة الحبار” وسياقه
“لعبة الحبار” هو مسلسل كوري جنوبي من إنتاج نتفليكس، أطلق موسمه الأول عام 2021 وحقق نجاحًا عالميًا غير مسبوق. تدور القصة حول مئات الأشخاص اليائسين الذين يشاركون في سلسلة ألعاب مميتة مقابل جائزة مالية ضخمة.
الموسم الثالث، الذي صدر في 27 يونيو 2025، يواصل استكشاف قضايا مثل الفقر، والأخلاق، والتضحية، لكن هذه المرة يضيف أبعادًا أعمق تتعلق بالهوية والانتماء.
المسلسل من تأليف وإخراج “هوانغ دونغ-هيوك”، الذي سبق له أن أطلق شخصية “علي عبدول” في الموسم الأول لتمثيل العمال المهاجرين والأقلية الدينية المسلمة في كوريا، وشخصية هيون-جو في الموسم الثاني لتمثيل الترانس والهمشين بسبب هويتهم الجندرية والجنسية.
رغم كل الجدل، تُعدّ اللاعبة 120 علامة فارقة في تمثيل الترانس في الدراما العالمية. إن مشهد وفاتها البطولي، ووقوفها إلى جانب الضعفاء حتى النهاية، يخلّدها في ذاكرة الجمهور بوصفها “بطلة حقيقية” — ليس فقط في اللعبة، بل في مسيرة تمثيل الترانس والكويريين حول العالم.
وفي الوقت الذي يزداد فيه خطاب الكراهية ضد الترانس، تظل مثل هذه القصص ضرورية لإعادة رسم الخيال، وإبراز أن البطولة لا تتعلق بالجنس أو النوع والهوية والتعبير الجندري، بل بالشجاعة، والتضحية، والكرامة الإنسانية.