أطياف

عقدة الشعور بالذنب أداة في قمع الكويريين

بينما أتصفح فيسبوك ظهر أمامي منشور تتحدث فيه فتاة عن مشاعرها التي تجذبها للفتيات دون الأولاد، وقد أرسلت تلك الكلمات إلى الصفحة الناشرة والتي تختص في نشر المشاكل المجتمعية. وتصف الفتاة بكلمات أوجعتني الشعور بالذنب الذي يلازمها لأنها تشعر بالإنجذاب والعاطفة والحب، تلك المشاعر الجميلة، لكنها لم تكن ترى أنها جميلة، بل أنها في حالة تعيق حياتها. كونها تشعر بذلك الشعور الذي قيل لها طوال حياتها أن من يشعرون به ملعونون، وربما رافقت اللعنات تحريض وشحن على الكراهية والعنف، وحديث عن النهاية المؤلمة لمن يمتلكون تلك المشاعر. سواء نهاية في الحياة التي نعيشها الآن، أم في حياة آخرى لم يسبق لأحد من البشر أن ذهب إليها وعاد إلى هنا.

يأخذني الشعور بالذنب ذاك إلى عدة سنوات مضت، حينما كنت أرى أن مشاعر حبي لعنة، وأن ذلك الجزء مني يعيقني عن الحياة. لأنه يخالف كل ما سمعت ممن هم حولي. يخالف العادات والتقاليد والدين. يجعلني ذلك أيضًا أتذكر ما قبل أن تحل عقدة الشعور بالذنب ضيفًا على حياتي، حينما عبرت عن إعجابي بكل أريحية في أولى سنوات المراهقة بولد آخر أمام أصدقائي، وكيف أن أحدهم رد علي منبهًا إياي بأننا نحن الأولاد نعجب بالبنات لا بالأولاد. وأتذكر أيضًا حينما تصرفت تصرفًا ما فعلق عليّ أخي بأننا نحن الأولاد لا نتصرف هكذا، وأن ذلك التصرف الذي فعلته يختص بالبنات لا الأولاد. هكذا كنت أنا، حرًا. أعبر عن إعجابي كما تتحرك مشاعري، وأتصرف بعفوية غير مباليًا كيف يكون التصرف حسب المعايير الجندرية.

طبيعتي كانت عفوية. أُلقي عليها جبريًا. دُفعت إلى تشرب ما يعكس نظرات الآخرين ومشاعرهم العاطفية، وأسلوبهم في التصرف. وبالتبعية، دُفعت أنا إلى أن أحاسب نفسي حسب ما ألقوه وأملوه عليّ، جالدًا ومعنفًا وقاسيًا على ذاتي. على شعور وطبيعة هي شاكلتها، وإنما أنا عاملٌ عليها، ولكن طبيعتي تلك حوطت بجدران من الآخرين عليّ. وترسخت وأصبحت تلك الجدران جزءًا مني، حتى بت أظن أنني أتيت إلى العالم محاوطًا بتلك الجدران.

لن يأتي ذات يوم من سيحطم تلك الجدران، في بيئة ألقت بها عليّ وعملت على دفعها حتى أصبحت جزءًا من روحي. إنما هي التجربة من جعلتني أدرك كيف أن البكاء وجلد ذاتي وروحي وندمي ولعني لحبي ونفسي ليسوا الوسيلة كي أجد السلام والحب داخلي. بل العودة إلى ماضي ما قبل نور قوس قزح الذي شع من داخلي. فارتأيت البيئة من حولي، أنه لازمًا عليّ أن تغطيني الجدران المظلمة. وبالعودة إلى عفوية الحب والتصرف الذين جئت إلى العالم بهما، والإدراك والتأكيد لذاتي أن طبيعتي غطتها تصورات ومشاعر الآخرين. جعلني أقف على أرضية مستقرة في تقبل واحتضان ذاتي وهويتي.

تتعدد أدوات منظومة الاضطهاد والقمع التي تنتج عن عالم تسيطر فيه الملامح الغيرية الملتحمة مع الجندر. تحركها دوافع الحفاظ على السيطرة وسحق وقمع كل ما هو كويري. تبدأ عملها بالتغلغل إلى داخلنا نحن الكويريين، ويبدأ ذلك من خلال عقدة الشعور بالذنب. فلن تنجح مساعيها إن لم تسيطر على عقولنا ومشاعرنا وأجسادنا. لأن اعترافنا لذواتنا قبل أن نعترف لمن يشاركونا الهوية وللآخرين وللعالم بأن لنا الحق في التواجد والعيش والحب وكافة الحقوق، يهدد سيطرتها ويخرجنا من خضوعنا إلى تلك المنظومة. فعقدة الشعور بالذنب سوف تسيطر على ذواتنا وتنكر حقوقنا وترفض الاستماع إلى الأصوات الكويرية التي تغلبت عليها، بل تدفع الكويريين حبيسي تلك العقدة إلى مساندة منظومة الاضطهاد والقمع بشدة.

أولى خطوات النضال والحراك الكويري تبدأ بإدراك تواجد جدران عقدة الشعور بالذنب التي تحاوط أرواحنا الكويرية. والانتباه إلى أهمية تحطيم تلك الجدران. وهي عملية ضمن عمليات عدة نخوضها نحن أفراد المجتمع الكويري، بشكل فردي وجماعي. لترميم ما أحدثته منظومة الاضطهاد والقمع في أرواحنا ونفوسنا، ونفض غبار تلك المنظومة عنا. حتى نلتفت جميعًا إلى أدواتها الأخرى التي تزيد وتتطور مع تطورنا وتحركنا لإيقافها.

كتابة: باستيت