أطياف

مجتمعات الميم والهولوكوست: التاريخ ليس ورديا

ركز البرلمان الألماني لأول مرة وبعد تجاهل دام عقود في إحياء ذكرى الهولوكوست على الأشخاص الذين تعرضوا للاضطهاد والتعذيب والقتل لكونهم من مجتمعات الميم.

كما أشارت رئيسة البرلمان في حديثها في اليوم العالمي لإحياء ذكرى الهولوكوست في 27 يناير الماضي إلى القانون رقم 175 المجرم للمثليين والذي شُرع عام 1871 وألغى عام 1994. وقامت الحكومة النازية بتوسعته وزيادة العقوبة، مما سهل وعمل على ملاحقة عدد أكبر من الأشخاص على أساس هويتهم الجنسية.

ويقدر مؤرخين عدد من تمت ملاحقتهم تحت طائلة هذا القانون إلى 140 ألف شخص. وفي عام 2017، صوت البرلمان الألماني لإلغاء إدانة 50 ألف رجل مثلي حُكم عليهم بسبب مثليتهم بموجب المادة 175، مع تقديم التعويضات للضحايا.

ما يأخذنا إلى الماضي، وكيف كان قبل أن تكون ألمانيا ما هي عليه اليوم، كواحدة من أكثر دول العالم تقدماً في حقوق مجتمعات الميم.

برلين كانت البداية

احتوت برلين في العشرينيات على ما يقارب مئة حانة ومقهي مخصصة للمثليين والمثليات والترانس. وبدأ ظهور المجتمع الكويري في الأعمال الفنية المختلفة، كالأفلام التي عبرت بشكل شبه دقيق عن الأفراد الكويريين. في محاولة للتوعية ضد التمييز العنصري الواقع عليهم. واستخدمت اللوحات والمسرح في الواقفات الاحتجاجية، مع بعض الوعي الإعلامي.

لم يكن هذا جريمة ولم يوجد نص قانوني يعاقب عليه. وقبل أن تتولى الحكومة النازية بقيادة هتلر الحكم، كانت مدينة برلين في بداية انطلاق الحراك الحقوقي الكويري. لكن بقدوم النازيين كانت هذه بداية النهاية للحراك الكويري داخل برلين وداخل بعض الدول الأوروبية كفرنسا وإيطاليا.

وبين عام 1919 حتى 1933، خاصة بعد الحرب العالمية الأولى، شهد الحراك الكويري ازدهاراً ملحوظاً. ونشر أكثر من 25 صحيفة خاصة بالمجتمع والحراك الكويري وكان هذا بدعم من بعض الأطباء والمحامين. كما روجت تلك الصحف للحانات والمقاهي المخصصة لأفراد المجتمع الكويري. وتأسس أول معهد خاص بالأبحاث الجنسانية العلمية في عام 1919. ومن هذا المعهد تمت صياغة مصطلح Transsexual الخاص بالترانس.

كانت برلين قبل الحكم النازي سابقة عصرها، وكانت تشبه مدينة سان فرانسيسكو بأمريكا في السبعينات.

محو التاريخ الكويري

في شهر مايو عام 1933 مباشرة بعد صعود الحكومة النازية بقيادة هتلر إلى السلطة بفترة قصيرة، حظرت أي منظمة خاصة بالمثليين. وحرق أكثر من اثنى ألف عشر من الكتب والوثائق الموجودة داخل معهد الأبحاث الجنسانية العلمية. كما حرقت الأعمال الفنية المختلفة التي تناولت الميول الجنسية المثلية.

وأغلقت معظم الحانات والمقاهي المخصصة للمجتمع الكويري، واضطر بعض الأفراد الكويريين إلى إخفاء هويتهم الجنسية والدخول في علاقات مغايرة حتى لا يتم كشف ميولهم الجنسية المثلية.

وفي عام 1935، صدر قرار رسمي تحت القسم القانوني 175 ينص على تجريم ممارسة الجنس بين الرجال. ورغم أن القرار لم يذكر تجريم ممارسة الجنس بين النساء، إلا أنه تم اعتقال وسجن بعض النساء بسبب هويتهن الجنسية.

فهذا النص القانوني كان الغرض منه تسهيل اعتقال الرجال من المعارضة بتهمة ممارسة الجنس المثلي، حيث كان الرجال المثليين يتم إعدامهم بسبب هذا النص في شرق وغرب ألمانيا.

كان التاريخ دموياً لا وردياً

الآلاف الرجال المثليين وبعضاً من النساء المثليات اعتقلوا واحتجزوا في المعسكرات النازية. وبين عام 1933 حتى عام 1945 سُجن ما يقرب من مئة ألف مثلي واحتجز حوالي خمسين ألف مثلي رسمياً في السجون والمعسكرات النازية. ويذكر المؤرخون بأن نسبة من تم الحكم عليهم بالإعدام رسمياً كانت كبيرة، حيث وصلت النسبة إلى حوالي 60% من المعتقلين.

في المعسكرات النازية، كانت النساء المثليات يرتدين رمز “مثلث أسود اللون”، وكان الرجال المثليين يرتدون رمز “مثلث وردي اللون”.

وكان الجنود النازيين يستهدفون السجناء المثليين والسجينات المثليات أكثر من السجناء الآخرين.

حيث كان يتم استخدامهن كأهداف للتمرن على التصويب من قبل الحراس. والتعرض لمختلف الاعتداءات الجنسية من قبل القادة والحراس، والضرب و التعذيب حتى الموت.

واستخدم المثليين والمثليات كأدوات للدراسات العلمية الخاصة بالنازيين لمحاولة خلق ما يسمى بـ “علاج” للميول الجنسية المثلية. حيث طبقت ممارسات تهدف إلى تغيير الميول الجنسية المثلية للأفراد إلى ميول جنسية مغايرة. فخضع الرجال والنساء لعلاج الهرمونات. وأجبر المثليين والمثليات على ممارسة الجنس المغاير مرة كل أسبوع.

ظل النص القانوني 175 المجرم للعلاقات الجنسية المثلية الرضائية بين البالغين فعال حتى عام 1969 مع خوف الكثير من الرجال المثليين من الاعتقال.

ولم يتحدث أحد عن هذه الجرائم والاعتقالات نهائياً حتى عام 1985 ولأول مرة، اعترف بها رئيس ألمانيا الغربية السابق ريتشارد فون فايزاكر. وحذف النص القانوني 175 المجرم للعلاقات الجنسية المثلية تماماً في عام 1994.

كتابة: لانا

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.