منذ إدراكى بالحياة وأنا أرى فلسطين فى كل شئ فلا يوجد يوم يمر بدون ذكر فلسطين، سواء فى المدرسة أو المسجد أو البيت أو المواصلات أو الإعلام أو أي مكان أخر حتى ونحن نمر بالشوارع فى أنحاء القاهرة الكبرى، نسمع من هنا وهناك أحاديث وحكايات عن فلسطين ولكنها كانت عن احتلال واستعمار وقتل وتهجير، كنت لا افهم هذه المصطلحات وقتها ولكن كان هناك أحاديث حول اننا لابد من أن نقوم بتحرير فلسطين وأن هذا دورنا الدينى والقومي وأن شعب فلسطين هم/ن اخوة/ات لنا.
وبدأت ذكرياتى مع مشهد استشهاد الدرة فى إنتفاضة الأقصى عام 2000، وهذا المشهد كان قادر على تكوين وعى تجاه الاحتلال الصهيوني بأنه مجرم وقاتل ومحتل ومستعمر، وتتوالى الحياة فى البيوت والمساجد والشوارع والإعلام مع حكايات فلسطين ومساجدها وكنائسها وشوارعها، ولكنها كانت أحاديث وحكايات فقط وفى نفس الوقت كانت فلسطين الأرض والشعب فى احتلال وتهجير واستيطان، وكل يوم يمر تتناقص الأرض والأرواح والحكايات أيضًا.
حتى قامت ثورة يناير فى مصر عام 2011 كان هناك أمل فى تغيير النظام وبالتالى تغيير الأوضاع فى فلسطين، وكان هناك أقاويل أن بداية تحرير فلسطين هى تحرير الشعوب المتحدثة باللغة العربية وذات الاغلبية المسلمة من الأنظمة التابعة للغرب المستعمر، ولكن لم تؤدى الثورة المصرية إلى تغييرات فى النظام بل كان التغيير هو فى اختفاء فلسطين من حكايتنا، وانشغلنا بحياتنا أكثر والظروف الداخلية وكأنها خيانة لشعب فلسطين حتى ادركنا بأن قضية فلسطين ماتت مع الزمن، ولم يعد هناك حكايات ولا أحاديث إلا قليلة جدًا.
حتى جاء يوم 7 أكتوبر، وارتفع صوت الشعب الفلسطينى بأننا نموت هنا فى أرضنا ويتم تهجيرنا واننا نمحى من التاريخ، وعاد معها الأمل الذي فقد منذ زمن. لا ندرى، هل ستحرر فلسطين؟ ليس من أجل دافع دينى أو قومي ولكن من أجل دافع أخلاقي وإنساني نفقد معناه فى ظل هذه الأوقات التى يحدث فيها إبادة وتهجير وتعذيب وقتل للشعب الفلسطينى، وفى ظل تساقط أقنعة الدول التى دائمًا تتحدث عن الحقوق والحريات.
ومع استمرار قتل وتهجير وإبادة الشعب الفلسطيني نرجو أن يتوقف ذلك، ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك ونحن نرى الحكومة الصهيونية خلال اكثر من مائة يوم وغزة تحت القتل والتهجير والابادة تتحدث بأعلى صوت لها على منع الاكل والشرب والوقود على أفراد الشعب الفلسطينى فى غزة. كيف يمكن ذلك ونحن نرى دول الاستعمار السابق تدعم هذة الدولة المنتجة من قبل الاستعمار، ولكننا نجد فى وسط هذا الظلام دول مثل دولة جنوب افريقيا وهى تدعم الحق فى أن تتوقف الإبادة فى حق الشعب الفلسطينى وترفع قضية ضد الدولة الصهيونية فى محكمة العدل الدولية حتى يتم وقف الإبادة بحق الشعب الفلسطينى فى غزة، ونرى أشخاص مثل الأمين العام للأمم المتحدة وهو يتحدث فى كل القنوات والاوقات عن أهمية وقف الإبادة، وغير ذلك الكثير من الشعوب التى تنزل إلى الشوارع لوقف النزيف الفلسطينى، ونرى العالم يتحدث عن مقاطعة الشركات التى تدعم الفكر النازى متمثل فى الدولة الصهيونية ومقاطعة المنتجات والفاعليات لمحاولة الضغط لوقف النزيف الفلسطينى.
ولكن هل سيتم حدوث ذلك فنحن نرى في الحكومة الصهيونية حكومة نازية بالفعل تتحدث عن أهل فلسطين كأنهم/ن ليس ببشر وأنهم/ن ليس لهم/ن حق فى الحياة والأرض والعيش بسلام، ونرى حكومات الغرب تدعم هذا الأسلوب الاستعماري النازى فى إبادة شعب لا يتحدث غير فى اخذ الأرض التي له والتي هى من حقه وليس من حق المستعمر، وحتى يحدث هذا ويكون للشعب الفلسطينى الذى يعانى من الاستعمار والاحتلال وانعدام إنسانية العالم منذ سنين وسنين وسنين الحق فى استرجاع أرضه، سيكون في وعي الأجيال الحالية هذه المشاهد المؤلمة كما كانت في وعي أجيالنا مشهد استشهاد الدرة، لأننا لم نعد كما كنا فهذه المرة غير كل مرة فلم تعد الفرحة والسعادة نشعر بها ولم تعد الحياة كما كانت وتغير كل شيء، إلا تحرير فلسطين من الاستعمار والإبادة والقتل والتهجير.
كتابة: محمود رشاد