تتخذ السينمات أو دور العرض المصرية موقف شبه موحد في عدم عرض أي أفلام تخص المثليين أو مجتمعات الميم حتى ولو كانت تلك الأفلام مشهورة ويشارك بها ممثلين معروفين ولهم جمهور واسع في مصر، إلا أن سينما “زاوية” والتي تعتبر غير كل دور العرض المصرية من حيث أنها تعرض أفلام من كل دول العالم وغير مقتصرة على “هوليوود”، كما تنتقي الأفلام ذات القيمة الفنية الكبيرة وأفلام المهرجانات السينمائية والحاصة على جوائز سينمائية قيمة، بين الحين والآخر كانت تعرض “زاوية” أفلام خاصة بمجتمعات الميم لكن ليس كل أطياف مجتمعات الميم، فقط الأفلام الخاصة بالمثليات والعابرات چندرياً وربما أحياناً العابرين چندرياً لكن ليس الرجال المثليين!
لا يتم عرض أي فيلم يتناول قصة حب بين رجل ورجل آخر ليس في سياق الأخوة أو الصداقة بل في سياق الحب والعاطفة، ذلك الحب الذي غنت له أم كلثوم وكتب عنه شكسبير، حب بين رجلان يريدان أن يعيشوا ويأسسوا حياتهما سوياً، رجلان يقبلان بعضها البعض، وتجمع بينهم الحميمية على الشاشة.
ذلك بالإضافة أن قلما تعرض “زاوية” أفلام مجتمعات الميم مترجمة إلى العربية، وكأنها تريد جذب أنظار النخبة من المثقفين المتحدثين باللغة الإنجليزية وغيرها، أما أولئك الذين يتحدثون بلغتهم الأم فقط فهم غير مرحب بهم، لذلك لا يمكننا التعويل على كسرات الخبز التي تلقيها لنا “زاوية” بين حين وآخر، وخاصةً في “مهرجان بانوراما الفيلم الأوروبي” والذي يعرض من عام إلى آخر، وهو يعتبر أكثر الأحداث التي تضم أفلام كويريّة نسبياً كما حدث هذا العام، لا يمكننا التعويل على تلك الأفلام في أن تحدث أي تغيير مجتمعي لدى المصريين ولو طفيف، وبالحديث عن المهرجانات السينمائية على أرض مصر والأفلام الكويريّة، فقد عُرض في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 39 عام 2017 الفيلم البريطاني Just Charlie ويدور حول فتاة عابرة جندرياً، وكان الفيلم مترجم إلى اللغة العربية وهو ما يعتبر تفوقاً على “زاوية”، حيث جذب الفيلم العديد من المشاهدين وهو ما كان واضحاً في قاعة العرض، وحديث الناس عنه بعد مشاهدته وإن يحمل نوع من السخرية أو رُهاب العبور الجندري إلا أن كون الفيلم متاح باللغة الأم للشعب المصري، جذب له جمهور متنوع وهو ما نتج عنه خلق نوع من الحوار والتساؤل والنقاش، تحدثت الصحافة المُغطية لأحداث المهرجان عن الفيلم أيضاً وإن كان حديثها يحمل كماً هائلاً من المغالطات حول الهوية الجندرية والتوجهات الجنسية تسبب ازعاجاً يحمل المرء على مغادرة وترك ما يقرأه سواء كانت قراءة إلكترونية أو حية، لكنها عادة الصحافة والإعلام المصري ككل، يستمر في نشر الأخطاء وتكريسها ولا ينتبه إلا بعد أن تكون “مالطا” قد خربت، ذلك إن انتبه من الأساس.
وعاد المهرجان في دورته الـ 40 تلك السنة وعرض أيضاً فيلم فليبيني يُدعى Mamang يتطرق إلى علاقة الرجال المثليين بأمهاتهم، وهو ما يعتبر انجازاً آخر وكان الفيلم مترجم إلى اللغة العربية وأيضاً قامت وسائل إعلام مصرية بتغطيته وأيضاً حملت التغطية استخدام ألفاظ ومصطلحات مهينة لكن تلك المرة بجانب مصطلح إيجابي حيث حمل عنوان تغطية أحد أبرز الصحف المصرية العنوان الآتي، “فيلم عن المثليين الشواذ في مهرجان القاهرة”، وكأن المشرف على كتابة العنوان أراد جذب أكبر جمهور ممكن حيث يعتبر مصطلح “مثليين” جديد نوعاً ما على الشارع المصري.
وبالعودة للحديث عن “زاوية”، عند مشاهدتي لأحد الأفلام قبل أيام من انطلاق “بانوراما الفيلم الأوربي”، عُرض فيديو ترويجي قبل بداية الفيلم الذي ذهبت لمشاهدته عن البانوراما، وحين بدأ الإعلان يتسارع بشكل قوي لاحظت رجلان يتبدلان الُقبل وكان مشهد سريع للغاية وأكاد أجزم أن البعض لم يلاحظه من سرعته، لكني وشخص آخر لاحظناه، وهو ما جعلنا نأمل أن يشمل المهرجان عرض أفلام عن رجال مثليين بشكل واضح وصريح دون إشارات أو رمزيات، لكن ما كنا نأمله لم يكن.
الأفلام الكويريّة التي شملها بانوراما الفيلم الأوروبي في دورته الـ 11 هي، الفيلم النرويجي الذي رُشح ضمن القائمة النرويجية الرسمية المنافسة في الأوسكار Thelma، يسلط الفيلم الذي يكسر روتين الأفلام الكويريّة بتضمنه طابع الفانتازيا الضوء على اكتشاف الهوية الجنسية وما يصاحبه من صراعات بسبب الاعتبارات المجتمعية أو الدينية تخوضها “ثيلما” عندما تقابل زميلة الجامعة التي تحرك مشاعرها تجاهها.
أما الفيلم الثاني فهو الفيلم البلجيكي Girl، الفيلم يدور حول فتاة مراهقة ولدت في جسد فتى وتصارع من أجل أن تحقق حلمها في أن تكون راقصة باليه محترفة، الفيلم حصد جائزة السعفة الكويريّة في مهرجان “كان” السينمائي هذا العام بجانب ثلاث جوائز أخريات ورُشح إلى جائزة خامسة.
أما الفيلم الثالث فهو الفيلم الوثائقي البولندي Over the Limit، يتبع الفيلم تدريبات لاعبة الجمباز الإيقاعي الروسية “مارغريتا مامون” في الألعاب الأولمبية لعام 2016، وما يعينها على تحمل الصعاب، الوقت الذي تقضيه مع حبيبتها وعائلتها.
أما الفيلم الرابع فهو الفيلم الوثائقي البريطاني McQueen، يتتبع الفيلم حياة مصمم الأزياء العالمي “ألكساندر ماكوين” ورحلة تحوله من خياط إلى صناعة ماركة أزياء عالمية باسمه، “ماكوين” كان مُجاهر بهويته الجنسية المثلية.
وكان هناك الفيلم الوثائقي Cassandro, the Exotico!، والذي يدور حول مصارع مكسيكي كان يرتدي زي أنثوي ويضع مكياج.
جميع تلك الأفلام كانت غير مترجمة إلى العربية وهو ما يجعلنا ننتقد كون “زاوية” انتقائية لا تتيح إلى عامة الجمهور المصري مشاهدة تلك الأفلام، ولنأمل في دورات البانوراما القادمة أن تشمل أفلام كويريّة لكل فئات مجتمعات الميم دون الاقتصار على فئة دون أخرى أو تمييز، ولنأمل ألا تكون الأفلام الكويريّة مقتصرة على المهرجانات السينمائية فحسب، من حق الجمهور أن يتاح له مشاهدة كافة الأنواع من الأفلام السينمائية والأعمال الفنية خاصةً الجمهور من مجتمعات الميم المصرية، من حقها أن تشاهد أعمالاً فنية تمسها وتمثلها وتلقي الضوء على أمور تعنيها، السينما والفنون ليسوا حكراً على فئات من المجتمع دون أخرى، الفن من الجميع وللجميع، وعلى جهاز إدارة الرقابة على المصنفات الفنية أن يتوقف عن إعاقة وسد الطريق على الأعمال الفنية الكويريّة والأعمال الفنية ككل، حرية الإبداع مكفولة للجميع، الشعوب والدول تتقدم بفتح المجال أمام الجميع، وليس بالكبت والديكتاتورية والاحتكار وترديد الشعارات البالية والأفكار الغير منطقية.
تم نشر هذا المقال في العدد الثالث من مجلة شباك.