خرجت علينا النجمة العالمية “سكارليت جوهانسون” معلنةً أداءها شخصية رجل عابر جندرياً واقعي يدعى “دانتي (تكس) جيل” وهو رجل عصابة أمريكي وكان يملك صالون تدليك ويدير شبكة عاملات بالجنس التجاري في فترة السبعينات وحتى الثمانينات، حكم عليه بالسجن 13 عاماً وتوفي بعد 7 سنوات من قضاء العقوبة ويحمل الفيلم عنوان Rub and Tug.
ويعد هذا التعاون الثاني بين “جوهانسون” والمخرج “روبرت ساندرز” والذي أخرج فيلم Ghost in The shell
والمقتبس من مانجا وفيلم انيميشن بنفس الاسم إنتاج عام 1995 وقد وجهت للنسخة الحية التي أدت دور بطولتها “جوهانسون” أصابع الاتهامات بالغسيل الغيري للفيلم حيث أن الشخصية الرئيسية في المانجا وفيلم الانيميشن كانت كويرية كما اتهم الفيلم أيضاً بالغسيل الأبيض حيث أن الشخصية الرئيسية الأصلية أسيوية وليست بيضاء ويطلق مصطلح “غسيل” على محاولات التغيير في النسخ المقتبسة عن النسخ الأصلية وجعلها تتبع اتجاه معين وبالأخص اتجاه الأغلبية ككل أو الأغلبية المسيطرة على صناعة السينما والتلفزيون واتهم الفيلم أيضاً بمحاولة اصطياد الجمهور الكويري عبر اظهار قبلة مثلية في الإعلان الترويجي للفيلم في حين أنه يخلو من أي قصة رئيسية أو فرعية مثلية.
إعلان “جوهانسون” بأداء دور رجل عابر جندرياً قوبل بالغضب وخيبة أمل الكثيرون نظراً لأداء ممثلة منسجمة الهوية الجندرية شخصية عابر جندرياً مرة أخرى ولكن رد “جوهانسون” كان بمثابة صب البنزين على النار حيث قالت إلى ممثلها عندما سألته مجلة Bustle عن ردها على الغاضبين والرافضين لدورها: “قل لهم أنه عليهم سؤال ممثلي (جيفري تامبور) و (جاريد ليتو) و (فيليسيتي هوفمان) للتعليق أولاً.”، وكان النجوم منسجمي الهوية الجندرية الثلاث التي ذكرتهم “جوهانسون” قد لعبوا شخصيات نساء عابرات جندرياً في مسلسل Transparent وفيلم Dallas Buyers Club وفيلم Transamerica على التوالي.
أبرز الانتقادات التي وجهت إلى “جوهانسون” كانت من الممثلات العابرات جندرياً، حيث قالت نجمة مسلسل Sense8 الشهير “جيمي كلايتون” وهي أول ممثلة عابرة جندرياً تلعب شخصية عابرة جندرياً كتبت من قبل مؤلفة عابرة جندرياً، قالت عبر تويتر: “الممثلون العابرون لا يتم قبولهم/هن في تجارب الأداء حتى إلا لشخصيات عابرة جندرياً. هذه هي المشكلة الحقيقية. لا يتم اختيار ممثلون عابرون جندرياً لأداء شخصيات غير عابرة.” ووجهت إشارة إلى “جوهانسون” ومخرج الفيلم “ساندرز”، وكانت قد وجهت انتقاد أيضاً إلى النجم منسجم الهوية الجندرية ” مات بومر” لأدائه شخصية امرأة عابرة جندرياً في فيلم Anything والذي طرح هذا العام.
كما وجهت نجمة مسلسل Transparent العابرة جندرياً “تريس ليسيت” انتقاداً إلى “جوهانسون” عبر تويتر قائلةً: “يمكن لمنسجمي الهوية الجندرية الاستمرار في أداء شخصيات عابرة جندرياً ولكن لا يمكن للممثلون العابرون جندرياً أداء شخصيات منسجمة الهوية الجندرية؟ (هوليوود) حقاً فوضوية… لم أكن لأنزعج لو كنت أحصل على نفس الفرصة التي تحصل عليها كل من (جينيفر لورانس) و (سكارليت جوهانسون) لأداء شخصيات منسجمة الهوية الجندرية ولكننا نعلم أن الأمور لا تجري هكذا.” كما قالت أيضاً: “أنتم لا تؤدون شخصيتنا ولا تسرقون حكايتنا وفرصتنا وحسب بل تربتون على ظهوركم بالجوائز والأوسمة لمحاكتكم معاناتنا… يا له من شيء غريب. أنا سئمت.” وعلى إثر هذه الانتقادات فقد تعرضت النجمة “تريس ليسيت” لتهديدات بالموت حيث غردت بعدها بساعات قائلةً: “تهديدات بالموت فقط لأني عابرة جندرياً وأعبر عن رأيي… لا جديد يذكر.”
كما وجه نشطاء مجتمعات الميم انتقادات لـ “جوهانسون” ولـ “هوليوود” ككل حيث قالوا بأن الممثلون العابرون جندرياً يجب أن يؤدوا الشخصيات العابرة جندرياً لأن الفرص المتاحة لهم/هن في “هوليوود” قليلة.
الأمر الذي استدعى مجموعة من الرجال العابرون جندرياً لإطلاق فيديو بعنوان “رجال عابرين يقومون بتجربة أداء لأدوار (سكارليت جوهانسون)” حيث يقومون بتجسيد شخصيات لعبتها “جوهانسون” في أفلام شهيرة لها وفي آخر الفيديو بعد أن يتم قبول أحدهم للعب دورها في فيلم Her ما أن يكتشف أنه سيجسد دور امرأة يقول “أعتذر لا يمكنني قبول الدور لأن النساء مهمشات في (هوليوود) ويجب أن يقمن هن بهذه الأدوار كما أنهن عاشوا التجربة عن جد وسيكون أداءهن أكثر واقعية وصدقاً وأشعر بالغرابة لأخذي فرصتهن.” في رسالة واضحة على رفض مجتمع العابرون جندرياً لأداء الممثلون منسجمون الهوية الجندرية.
ردود الفعل الغاضبة هذه أجبرت “جوهانسون” على الانسحاب من الفيلم والتراجع عن أداءه حيث صرحت إلى مجلة Out قائلةً: ” في ضوء الأسئلة الأخلاقية الأخيرة التي أثيرت حول أداءي لشخصية (دانتي تكس جيل)، قررت بكل احترام التراجع عن مشاركتي في المشروع. وعينا بالعابرون جندرياً يستمر في الازدياد، ولقد تعلمت الكثير عن مجتمع العابرون منذ أن أدليت بتصريحي الأول والذي كان متبلد الشعور. لدي إعجاب وحب كبير لمجتمع العابرون وأنا ممتنة أن الحديث عن تمكين الجميع في (هوليوود) لا زال مستمراً.
وأضافت “جوهانسون” دعماً لإعادة اختيار ممثل عابر جندرياً للدور حيث أن شركتها المنتجة للفيلم قائلةً: ” في حين كنت سأحب هذه الفرصة لأحضر قصة (دانتي) وعبوره إلى الحياة، أفهم لماذا يريد الكثيرون أن يجسد الشخصية ممثل عابر جندرياً، وأنا شاكرة لأن هذا النقاش حول اختيار الممثلون لأداء الأدوار وإن كان مثيراً للجدل فقد أثار حواراً أكبر حول التنوع والتمثيل في الأفلام.
“أعتقد أنه ينبغي التعامل مع جميع الفنانين بعدل ومساواة. تسعى شركة الإنتاج الخاصة بي بنشاط إلى إنتاج أفلام تعمل على الترفيه وإزالة الحواجز.
“نحن نتطلع إلى العمل مع كل مجتمع لتقديم هذه القصص الأكثر أهمية وتأثيراً للجماهير في جميع أنحاء العالم.”
تصريح “جوهانسون” هذا لاقى ترحيباً واسعاً من مجتمع العابرون جندرياً وأبرز الترحيبات كان ترحيب نجمة Sense8 “جيمي كلايتون” حيث غردت قائلة: “كل التحيات لمن يتعلموا وينضجوا! أرجوا أن تستمري في إنتاج الفيلم يا (سكارليت). يا لها من فرصة مذهلة لوضع كلماتك موضع التنفيذ! مرحى! دعينا نتناول الغداء سوياً ونتحدث.”
وصرحت رئيسة منظمة GLAAD المختصة بمتابعة الخطاب الإعلامي والفني تجاه مجتمعات الميم ” سارة كيت إليس” قائلةً: ” إن إعلان (سكارليت جوهانسون) ومع أصوات العابرون جندرياً الذين تحدثوا عن هذا الفيلم قاموا بتغيير مستقبل صور العابرون جندرياً في (هوليوود). غيّرت هوليوود الطريقة التي يفهم بها الأمريكيون حياة المثليين والمثليات، وبدأ التلفزيون في فعل الشيء نفسه بالنسبة للأشخاص العابرون جندرياً حيث يجسدون شخصيات عابرة جندرياً حقيقية، وهي ضربات كبيرة مع النقاد والجمهور. أمام صناعة السينما فرصة حقيقية لفعل الشيء نفسه.”
“وكانت GLAAD قد رصدت انخفاض معدل شخصيات مجتمعات الميم في السينما والتلفزيون 40% في 2017 عن الأعوام السابقة، ومع انعدام تام للشخصيات العابرة جندرياً في الاستديوهات الرئيسية”
أثمر هذا النقاش الطويل عن كتابة خطاب مفتوح وقع عليه مجموعة من شركات الإنتاج الرئيسية ووكالات المواهب يدعوا إلى خطة جديدة لتمكين العابرون جندرياً.
ويدعوا الخطاب الذي يرأسه عابرون جندرياً يعملون في صناعة السينما “(هوليوود) لاستخدام تأثيرها لتحسين حياة الأشخاص العابرون” بواسطة حكي قصص عابرة “أصلية” مع ممثلون ومبدعون عابرون.
أعد الخطاب منظمة GLAAD وحملة 50/50by2020، وأبرز من وقعوا عليه هما، المنتج والمخرج الكويري الشهير “ريان مورفي” والذي أنتج وألف المسلسل الذي يضم أكبر طاقم ممثلون عابرون جندرياً في التاريخ Pose، والمنتج والمخرج الكويري ” جريج بيرلانتي” والذي أخرج فيلم Love Simon مؤخراً، كما أعدت GLAAD دليل لصناع السينما والتلفزيون يتضمن كتاب وكاتبات ومواهب عابرون جندرياً. وعن جعل الأعمال الفنية تمثل العابرون بشكل صحيح كما أوضحت كيفية خلق بيئة آمنة وتمكينية للعابرون.
ويتضمن الخطاب أيضاً “قصت (هوليوود) قصصاً تساعد الناس على فهم ماهية شعورهم تجاه أنفسهم وتجاه الأخرون المختلفون.”
“وكما يقول الناقد السينمائي (روجر ايبرت)، الفيلم عبارة عن وسيلة للشعور بالغير. لقد عبرت النساء وأصحاب البشرة الداكنة وذوي الاحتياجات الخاصة عن رغبتهم الواضحة في وجود قصص أصلية تعبر عنهم في السينما والتلفزيون وكذلك الأمر بالنسبة للعابرون جندرياً.”
أما وسائل الإعلام الخاصة بمجتمعات الميم والعامة كذلك فقد سلطت الضوء على الحركة بشكل كبير وفتحت المجال للممثلون العابرون جندرياً للحديث وللتعبير عن أنفسهم وهو ما يوحي لنا بأننا على وشك ثورة عابرة جندرياً في الأوسط الإعلامية والفنية الأمريكية وربما العالمية.
تم نشر هذا المقال في العدد الرابع من مجلة شباك.