فازت حفصية حرزي بجائزة السعفة الكويرية في الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي عن فيلمها المؤثر الأخت الصغرى عن فتاة مسلمة مثلية.
الفيلم مقتبس عن رواية الأخت الصغرى للكاتبة فاطمة دعاس، حصل على جائزة أفضل ممثلة، وتم اختياره للمنافسة على جائزة السعفة الذهبية والمرموقة بالمهرجان ذاته.
تدور قصة فيلم الأخت الصغرى (La Petite Dernière) حول “فاطمة”، وهي فتاة تبلغ من العمر 17 عامًا، وهي البنت الصغرى في عائلة جزائرية مهاجرة تعيش في ضواحي باريس. مع بدء دراستها الجامعية، تجد نفسها ممزقة بين التزاماتها الدينية وتقاليد عائلتها وبين هويتها الجنسية الناشئة، حيث تبدأ في اكتشاف مشاعرها تجاه النساء.
وقد أخرجت حفصية حرزي، وهي ممثلة فرنسية انتقلت إلى الإخراج مؤخرًا، والمولودة لأب تونسي وأم جزائرية الفيلم برؤية حساسة تستكشف صراعات الهوية والانتماء، خاصة لدى الشباب المسلمين الكوير.
تؤدي دور البطولة نادية مليتي، وهي ممثلة جديدة، وتشاركها التمثيل كل من بارك جي-مين، ولويس ميـمي، ومونا صويلم، إلى جانب عدد من الممثلين غير المحترفين، مما أضفى طابعًا واقعيًا وصادقًا على الفيلم.

أشاد النقاد بأداء حفصية حرزي الإخراجي والأسلوب الصادق الذي تناولت به موضوع الهوية الجنسية في السياق الديني والثقافي، حيث حصد الفيلم نسبة تقييم إيجابية بلغت 82% على موقع Rotten Tomatoes الخاص بتقييم الأفلام والمسلسلات.
تُجسد نادية مليتي شخصية “فاطمة” بشكل مؤثر وهادئ، خاصة في علاقتها العاطفية المعقدة مع “جي-نا”، الممرضة الكورية التي تلعب دورها الممثلة بارك جي-مين، في واحدة من أكثر قصص الفيلم حساسية وصدقًا.
كما يتناول الفيلم موضوعات الصراع الثقافي، والسرية، والمرونة العاطفية، وهو ما يلامس واقع الكثير من المثليين وأفراد مجتمعات الميم في البيئات المحافظة والدينية.
اشتهرت حفصية حرزي بدورها في الفيلم الفرنسي التونسي كسكسي بالبوري (La Graine et le Mulet) الصادر عام 2007.
كما حصلت مؤخرًا على جائزة سيزار الفرنسية المرموقة لأفضل ممثلة عن فيلم Borgo، تستلهم في فيلمها الأخت الصغرى من خلفيتها الشخصية، حيث نشأت في مرسيليا وسط عائلة مختلطة من أصول جزائرية وتونسية. وقد منحتها هذه الخلفية فهماً عميقًا للهويات المزدوجة، مما أضفى على الفيلم بعدًا عاطفيًا حقيقيًا وأصليًا.

وقد لاحظ النقاد أن الفيلم يلمّح بأسلوب رصين إلى الإرث السينمائي الفرنسي-التونسي، مع بعض المقارنات بفيلم حياة أديل (Blue Is the Warmest Colour)، لكن دون الانزلاق إلى المنظور الذكوري الذي يجسد علاقات المثليات لإرضاء وإمتاع الرجال، حيث قدّمت حفصية حرزي معالجة أكثر توازنًا وعسكت العلاقات الحميمية وتعقيدات الهوية بشكل إنساني.
عن رواية “الأخت الصغرى” المقتبس عنها الفيلم
رواية الأخت الصغرى (بالفرنسية: La Petite Dernière) هي عمل أوتوفيكشني (سيرة ذاتية تخيلية)، صدرت عام 2020 للكاتبة الفرنسية من أصول جزائرية فاطمة دعاس.

تروي الرواية قصة فتاة شابة تُدعى “فاطمة”، وهي الابنة الصغرى في عائلة مسلمة جزائرية تعيش في ضواحي باريس، تحاول التوفيق بين هويتها الدينية وبين ميولها الجنسية، في صراع داخلي معقد بين الانتماء الثقافي، والتدين، والهوية الجنسية.
بأسلوب سردي قصير النَفَس ومُكثف، تكتب فاطمة دعاس بصدق وحساسية عن الهشاشة، وعقدة الشعور بالذنب، والرغبة في أن تكون مقبولة دون أن تنكر ذاتها.
حظيت الرواية بإشادة نقدية واسعة، ورُشحت لعدة جوائز أدبية، واعتُبرت صوتًا جديدًا ومهماً في الأدب الفرنسي المعاصر، لا سيما في تمثيل التجارب المزدوجة للهويات المسلمة والكويرية.
عن الكاتبة فاطمة دعاس وتجربة مسلمة مثلية ذاتية
فاطمة دعاس كاتبة فرنسية من أصول جزائرية وُلدت عام 1995 في ضاحية بوبينيي (Bobigny) شمال باريس. تُعرف بكونها صوتًا أدبيًا جريئًا يمثل فئة نادرًا ما يُعبر عنها في الأدب الفرنسي: كونها شابة مسلمة، مثلية، تنتمي إلى الطبقة العاملة، وتحمل هوية ثقافية مزدوجة، كما أنها نسوية تقاطعية.

تلقت فاطمة دعاس تعليمها في مجالات الأدب والعلوم الاجتماعية، وبدأت الكتابة مبكرًا كوسيلة لفهم هويتها المركبة. تعتبر الأخت الصغرى أول أعمالها المنشورة، وقد حققت بها نجاحًا نقديًا واسعًا.
تسعى فاطمة دعاس من خلال أعمالها إلى كسر الصور النمطية المحيطة بالنساء المسلمات والمثليات، وتفتح نقاشًا ضروريًا حول الدين، والجنس، والانتماء في المجتمعات الغربية.
عن نادية مليتي: السعفة الذهبية من التجربة الأولى
نادية مليتي، التي فازت بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي 2025 عن أول فيلم لها على الإطلاق، هي طالبة فرنسية ولاعبة كرة قدم هاوية تم اكتشافها صدفة في أحد شوارع باريس.
تفوقت نادية مليتي، البالغة من العمر 23 عامًا، على نجمات عالميات مثل جينيفر لورنس وإيل فانينغ لنيل الجائزة، مما جعل فوزها مفاجأة كبرى في المهرجان.

لم يسبق لها أن شاركت في أي عمل مسرحي أو سينمائي، لكنها ارتبطت عاطفيًا بشخصية “فاطمة” التي أدتها في فيلم الأخت الصغرى.
قالت نادية مليتي، ذات الأصول الجزائرية، إنها وجدت نفسها في بيئة وخلفية الشخصية، مشيرة إلى أن لديها أخوات أيضًا، تمامًا مثل فاطمة.
قدمت نادية أداءً حساسًا ومعقدًا يجمع بين مشاهد عنف مدرسي ورفض مجتمعي، وعلاقات حميمية صريحة، ما تطلب منها قدرة كبيرة على التعبير العاطفي.
في آخر مشاهد الفيلم، ظهرت وهي تؤدي مهارة كروية، لتؤكد ارتباطها الشخصي بموضوع التحرر الذي يطرحه الفيلم، بجانب تقديمها لعبتها المفضلة وهي كرة القدم.
جاء اكتشاف نادية بالصدفة عندما ناداها أحد وكلاء الكاستينغ أثناء سيرها قرب مركز تجاري، ظنّت في البداية أنه سائح!
كانت لحظة تسلُّم نادية الجائزة مؤثرة، ووجهت فيها الشكر لوالدتها قائلة: “أعلم أنكِ تشاهدين، وآمل أن تكوني فخورة وسعيدة.”
سيُعرض فيلم الأخت الصغرى في دور العرض في فرنسا يوم 1 أكتوبر 2025، ويُعتبر بالفعل من أهم أفلام المثليين ومجتمعات الميم لهذا العام، ليس فقط على مستوى السينما الكويرية، بل لما يقدمه من تمثيل نادر وحقيقي للهويات المتعددة داخل المجتمعات الناطقة بالعربية والإسلامية.
من المتوقع أن يتاح الفيلم للمشاهدة عبر الإنترنت نهاية العام الجاري أو بداية العام القادم 2026.