هويدي سعد ورقصة “فوغ”.. كسر القيود بالحركة
في مشهد يعكس التعدد والتنوع في طرق التعبير عن الذات، يبرز اسم هويدي سعد كأحد أبرز الوجوه الشابة في مجتمع الميم في لبنان، حيث اتخذ من الرقص وسيلة لتحرير الجسد والنفس من القيود الاجتماعية والثقافية.
بدأ سعد، البالغ من العمر 23 عاماً، ممارسة رقصة “فوغ” بعد مشاهدته الفيلم الوثائقي الشهير Paris is Burning، الذي يعرض حياة مجتمع الكوير في نيويورك في التسعينيات.
ورغم أن جذور الرقصة تعود إلى الولايات المتحدة، اختار سعد أن يمارسها في قلب بيروت، حيث قدم دروساً في الرقص على مدى السنوات الأربع الماضية، مشيراً إلى أن “الـفوغ” ساعده في بناء شخصية قوية تسمح له بمواجهة العالم بثقة وجرأة، قائلاً: “أشعر أنني أنتمي إلى مكان ما، وأنا لست وحيداً”، حسبما نقلت CNN.
بيروت كمساحة آمنة: بين الفن والتضامن
تُعد بيروت واحدة من أكثر المدن الناطقة بالعربية انفتاحاً تجاه قضايا حقوق المثليين والترانس، على الرغم من وجود عقبات قانونية.
المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني لا تزال تُجرم العلاقات “المخالفة للطبيعة”، وهو بند استخدم مراراً لاستهداف المثليين والترانس ومجتمع الميم.
إلا أن حكم محكمة الاستئناف في يوليو 2018، والذي قضى بأن العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي ليست جريمة، مثل بارقة أمل لمجتمع الميم في لبنان والمنطقة.
مبادرات فردية لخلق بيئة شاملة
لم يكن هويدي سعد وحده من سعى إلى توسيع مساحة التعبير والقبول. فقد قامت رائدة الأعمال كيم معوض، بدافع من تجربة شقيقها “جوي”، بافتتاح بوتيك Out Beauty، ليكون مساحة آمنة لكل من يشعر بالاختلاف. تقول كيم إن شقيقها عانى من عزلة داخلية دامت أكثر من عقدين بسبب ميوله الجنسية، وهو ما دفعها إلى فتح هذا الفضاء الداعم في بيروت.
وتؤكد معوض أن بيروت تضم عدداً من الأماكن الصديقة للمجتمع الكويري، كما أن هناك العديد من المنظمات غير الحكومية التي تنشط في مجالات التوعية، الدعم النفسي، والمناصرة القانونية.
بيروت برايد: النضال العلني رغم القيود
تُعد حملة بيروت برايد من أبرز المبادرات العلنية التي تهدف إلى تعزيز حقوق أفراد مجتمع الميم.
في مايو 2018، تم اعتقال مؤسس الحملة هادي ديمان أثناء تنظيمه لسلسلة من الفعاليات الثقافية والاجتماعية، بعد ترجمة مغلوطة لأحد بيانات الحملة إلى العربية نُشرت عبر تطبيق “واتساب”.
رغم هذه المضايقات، لم تتوقف بيروت برايد، بل عادت للعمل مع مجموعات جديدة ضمن مشاريع مستقبلية.
يقول ديمان: “لا يمكننا المضي قدماً إذا لم نثقف أنفسنا باستمرار. نحتاج إلى احتضان التنوع والتركيز على ما يجمعنا”.
تحول سياسي: دعم غير مسبوق في الانتخابات
التحول لم يقتصر على المبادرات الفردية والحملات الأهلية. ففي الانتخابات النيابية اللبنانية في مايو 2018، دافع عدد من المرشحين علناً عن حقوق المثليين، وتمكن أربعة منهم من الفوز بمقاعد نيابية.
وعلّق جورج قزي، المدير التنفيذي للمؤسسة العربية للحريات والمساواة، قائلاً: “نأمل أن لا يكون الأمر مجرد حالة استثنائية، بل بداية لتغير ثقافي وقانوني طويل الأمد”.
المثليين في لبنان… بين التحديات والآمال
ما بين رقص هويدي سعد، ومبادرات كيم معوض، ونشاطات بيروت برايد، يعكس المشهد اللبناني تناقضاً مركباً: من جهة، نضال يومي ضد القوانين والمواقف المجتمعية الرجعية، ومن جهة أخرى، شعلة أمل وشجاعة لا تنطفئ.
في بلد صغير مثل لبنان، ما زال مجتمع الميم يواجه رفضاً مؤسسياً واجتماعياً، لكنه في المقابل ينجح مراراً في ابتكار أدواته في التعبير، الفن، والمقاومة.
وبين الأحكام القضائية الداعمة والمبادرات الشعبية الملهمة، يبدو أن لبنان يسير بخطى بطيئة ولكن ثابتة نحو مزيد من الحرية والعدالة للمثليين والترانس ومجتمع الميم.