أطياف
مثلية

مسلسل American Gods يقدم علاقة مثلية ثورية بين رجلين مسلمين

عندما يتقاطع السحر والأسطورة مع تمثيل جريء للميول الجنسية المثلية

في مايو 2017، عرض مسلسل الخيال الأميركي “American Gods” أحد أكثر المشاهد جرأة في تاريخ الدراما التلفزيونية، حيث قدّم مشهدًا حميميًا بين رجلين مسلمين مثليي الجنس، جسدهما الممثل الفلسطيني “موسى كريش” والإيراني “عميد أبطحي”.

لم يكن هذا المشهد مجرد لحظة صادمة بل شكّل محطة مفصلية في مسار التمثيل الكويري على الشاشة، خاصة حين يكون بطلاه من خلفية إسلامية وشرق أوسطية، حيث يواجه التمثيل المثلي والكويري قيودًا عنيفة.

خلفية المسلسل ورؤية مبتكرة للجنس والهوية

“American Gods” مسلسل مأخوذ عن رواية نيل غيمان الشهيرة، ويتناول صراعًا بين الآلهة القديمة والحديثة في سياق ثقافي معاصر.

أنتجه براين فولر وميشيل غرين، وقد حرصا على تقديم المحتوى الجنسي في العمل من منظور إنساني وفني وليس ترفيهي فقط. قال غرين في تصريح لمجلة Hollywood Reporter:

“إذا كانت هناك مشاهد جنسية في المسلسل، فعلينا أن نعرضها للجميع على قدم المساواة، لأن الجنس هنا ليس تفصيلًا بل تعبيرًا عن الإنسان”.

هذا التوجه سمح بظهور مشهد “الجنّ”، الذي جمع بين شخصية “سليم”، رجل عربي مهاجر يعاني من الغربة والوحدة، و”الجنّ”، كائن أسطوري ذو عينين ملتهبتين يعمل سائق تاكسي في نيويورك.

مشهد المثلية الذي قلب الموازين

في الحلقة الثالثة، نتابع “سليم” وهو يحاول ترويج منتجاته دون جدوى، حتى يركب سيارة أجرة يقودها “الجنّ”.

ينشأ حوار حميمي بين الرجلين باللغة العربية والإنجليزية، يكشف فيه كل منهما عن معاناته.

الجنّ، كائن من عالم الأساطير الإسلامية، يقول إنه منسيّ ويُساء فهمه في المجتمع الأميركي.

سليم، الذي يبدو مكبوتًا وممزقًا، يجد في الجنّ مرآة روحية له، ويدعوه إلى غرفته بالفندق.

المشهد الذي يلي هو من أكثر المشاهد الحميمية جرأة في تاريخ التلفاز الأميركي، ليس فقط في طبيعته الجسدية، بل في تصويره لمشاعر العاطفة والانكشاف النفسي بين رجلين عربيين.

الكاميرا لا تكتفي بعرض الجسد، بل تصور العلاقة كطقس روحي – حيث يتخيل المشهد على كثبان رملية، والإضاءة تأخذ بعدًا شبه ديني.

قال براين فولر:

“كان من المهم أن نقدّم سليم ليس كشخص يخوض علاقات جنسية سرية في الأزقة، بل كشخص يعيش تجربة حميمة لأول مرة بروحانية وكرامة”.

قراءة ثقافية ودينية للمشهد

في الثقافة الإسلامية، الجنّ هم كائنات خُلقت من نار، يعيشون في الخفاء ولديهم إرادة حرة.

الجنّ الذي يجسده كريش يستوحي من شخصية الـ”عفريت” في النصوص العربية، وهي كائنات قوية تعيش في الخرائب والصحارى.

قال سليم في المسلسل:

“جدتي أقسمت أنها رأت عفريتًا ذات ليلة في الصحراء، وقالت إن له عينين كالنار”.

هذا الترميز ليس اعتباطيًا، بل يُظهر كيف تتقاطع الميثولوجيا مع الهوية الجنسية في قالب إنساني.

المشهد لا يسعى إلى الإثارة بل إلى تقديم قصة حب عابرة للثقافات والحدود.

ردود الأفعال والجدل

قوبل المشهد بإشادة واسعة من النقاد، واعتُبر خطوة جريئة في تمثيل المثليين المسلمين. لكنه أثار أيضًا جدلًا واسعًا، خاصة في الأوساط المحافظة.

كتب موقع Daily Mail أن المشهد “الأكثر جرأة في تاريخ التلفزيون”، فيما اعتبرته صحيفة The Guardian لحظة ثورية تعيد تعريف كيفية عرض الجنس بين الرجال على الشاشة.

أما الممثل موسى كريش فقد صرّح:

“كنت فخورًا بتمثيل مجتمع الميم والشرق الأوسط في دور إيجابي قلّ أن نراه على الشاشة”.

لاحقًا، أُعلن أن كريش لن يعود للموسم الثالث من المسلسل، ما أثار غضب الجمهور، وهدّد كثيرون بمقاطعة العمل. كتب كريش على تويتر:

“أنا ممتن لكل من دعمني، وأؤمن أن هذا الدور فتح بابًا للكثير من القصص التي تستحق أن تُروى”.

الجنس الكويري على الشاشة: من الوصمة إلى التعبير الإنساني

حتى الآن، نادرًا ما تُعرض مشاهد جنسية بين رجلين على هذا النحو من الحميمية والروحانية، خاصة بين شخصيات من خلفيات مسلمة.

في عالم لا يزال يُحاصر العلاقة المثلية بالصورة النمطية أو الإثارة الفارغة، يأتي هذا المشهد ليقلب الموازين.

يقول فولر:

“إذا كان يمكن لمشهد جنسي أن يُلغي الشعور بالخجل ويُعزز الإنسانية، فعلينا أن نقدّمه”.

مشهد سليم والجنّ هو لحظة تتجاوز الجسد؛ إنها لحظة قبول، وتحوّل، وانعتاق من القيود الثقافية والدينية.

ومن خلالهما، يقول المسلسل: إن الحب والحميمية لا يعترفان بجنس أو عرق أو ديانة.

أثر مستمر وتمثيل نادر

مع نهاية المشهد، يستيقظ سليم ليجد نفسه يرتدي ملابس الجنّ ويحمل بطاقاته، كأنه استلم هوية جديدة.

إنها بداية جديدة، رمزية للغاية، لرجل وجد ذاته من خلال الآخر.

ولا يزال هذا المشهد مرجعًا مهمًا في أرشيف التلفزيون العالمي لكل من يهتم بالتمثيل العادل والإنساني لمجتمع الميم، خاصة من المسلمين والعرب.

مشهد غير مسبوق يعيد رسم حدود التمثيل الكويري

“American Gods” لم يقدّم فقط علاقة بين رجلين مسلمين، بل رسم لوحة شعرية عن الرغبة، الوحدة، والانتماء. إنه مشهد يُدرّس في كيفية تقديم الشخصيات الكويرية بكرامة وصدق، دون ابتذال أو تقليل.

إنه دعوة للمنتجين والمخرجين حول العالم: لتكن الكاميرا مساحة للصدق، لا للمحظورات.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.