السياق الفني للفيلم وعلاقته بالسينما الكويرية
منذ صدوره في عام 2017، أثار فيلم “نادني باسمك” (Call Me by Your Name) للمخرج الإيطالي لوكا غوادانينو جدلاً واسعاً في الأوساط السينمائية والنقدية، خصوصاً فيما يتعلق بطريقة تصوير العلاقة الرومانسية والجنسية بين البطلين: إيليو (تيموثي شالاميه) وأوليفر (آرمي هامر). ورغم إشادة النقاد بالحبكة البصرية والعاطفية للفيلم، طرح كثيرون تساؤلات حول غياب المشاهد الجنسية الصريحة، خاصة في ظل وجود أعمال سابقة مثل “مونلايت” (Moonlight) التي عالجت موضوعات مماثلة بوضوح أكبر.
المقارنة مع فيلم “مونلايت”: سؤال الحميمية في السينما
فيلم “مونلايت” للمخرج باري جينكنز، الذي عرض في عام 2016، تناول هو الآخر قصة حب مثلية بين شابين من خلفية أفرو-أميركية. وقد تضمّن الفيلم مشهداً حميمياً صريحاً ساهم في تعزيز الطابع الواقعي والدرامي للعمل دون أن يُنتقص من فنيته، بل على العكس، فاز الفيلم بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم.

وبالتالي، أثار قرار غوادانينو، كمخرج مثلي الجنس، بعدم عرض مشاهد جنسية صريحة بين إيليو وأوليفر تساؤلات متعددة حول حدود الجسد في السينما الكويرية، ومدى تأثر المخرجين بثقافات الجمهور أو الرقابة أو حتى الذاتية الفنية.
المخرج يوضح: “التسلط على العلاقة لا يصنع الفن”
رداً على هذه الانتقادات، خرج غوادانينو بتصريح حاسم، موضحاً خلفية قراره الإخراجي. قال في مقابلة صحفية:
“عندما نعرض على الشاشة قيامهم بالجنس ونسلط الضوء عليهم، فإن هذا يُعد نوعاً من التسلط القاسي على علاقتهم. فعندما تحولت الكاميرا إلى النافذة وظهرت الشجرة، فإن الشجرة تكون قد شهدت هذا الحدث، وعلاقتهم الحميمية كانت تظهر في كل شيء يحيط بهم. وهذا كافٍ للغاية.”
وأضاف المخرج أنه يرفض بشكل قاطع اتهامه بالخجل أو التهرب من إظهار الحميمية، قائلاً:
“أرفض بشكل قاطع القول بأنني خجول لعدم عرضي لحميميتهم بشكل صريح.”
الرمزية البصرية: النافذة والشجرة كشخصيات صامتة
أحد أبرز مشاهد الفيلم، وهو المشهد الذي يلتقي فيه إيليو وأوليفر في غرفة النوم، ينتهي بتحوّل الكاميرا بعيداً عنهما نحو النافذة، حيث تُظهَر شجرة صامتة تحرّكها الرياح. اعتبر الكثير من النقاد أن هذا التحوّل ليس مجرد هروب من عرض المشهد، بل يحمل رمزية قوية؛ فالشجرة بمثابة شاهد صامت على لحظة الحب، والتصوير يوحي بأن العلاقة بين الشخصيتين تنعكس على الطبيعة المحيطة.
هذا الأسلوب يُعيدنا إلى مفاهيم السينما التأملية، حيث لا يُقدّم الحدث بشكل مباشر، بل يُعاش ويُفهم عبر تفاصيل البيئة، الحركة، والإيحاء البصري.
موقف الجمهور والنقاد: انقسام بين التقدير والانتقاد
بينما قدّر العديد من المتابعين والنقاد هذا النهج الفني الذي اختاره غوادانينو، شعر البعض الآخر بأن الفيلم فوّت فرصة تمثيل صادق وحقيقي للحميمية المثلية، خاصة أن الرواية الأصلية، التي كُتب عنها الفيلم، تحتوي على مشاهد جسدية أكثر وضوحاً.
يرى بعض النشطاء في مجال حقوق المثليين أن غياب المشاهد الصريحة يعزز نوعاً من الرقابة الذاتية التي تتبعها السينما أحياناً عند تصوير علاقات غير مغايرة، رغم أن العلاقات المغايرة غالباً ما تُعرض بأقصى درجات الحميمية دون اعتراض يُذكر.
السينما الكويرية بين الجمالية والتمثيل
يثير هذا النقاش أسئلة أعمق حول دور السينما الكويرية: هل هدفها إيصال الإحساس بالتجربة دون ضرورة لعرض الجسد؟ أم أن تمثيل العلاقات الجسدية مهم لكسر الحواجز المجتمعية وتعزيز الاعتراف بالحب المثلي كجزء من الواقع؟
غوادانينو يبدو أنه يميل إلى الخيار الأول، وهو خيار فني مشروع، يعتمد على الإيحاء، العاطفة، والرمزية، ويتيح مساحة أكبر للتأمل والخصوصية.
أهمية الفيلم في المشهد السينمائي الكويري
رغم الجدل، لا يمكن إنكار أن فيلم “نادني باسمك” حقق نجاحاً نقدياً وجماهيرياً واسعاً، ورُشح لعدة جوائز أوسكار، منها أفضل فيلم وأفضل ممثل لتيموثي شالاميه، كما فاز بجائزة أفضل سيناريو مقتبس. يُعتبر الفيلم علامة مهمة في مسيرة السينما الكويرية، خاصة في تقديم قصة حب تتسم بالهدوء والرقي والعاطفة دون الوقوع في الابتذال أو الميلودراما.
كما أن اختيار موقع التصوير في الريف الإيطالي، مع موسيقى تصويرية مؤثرة من تأليف سفان ستيفنز، أضفى على الفيلم طابعاً شاعرياً خاصاً.
الجدل جزء من تطور التمثيل الكويري في السينما
في النهاية، لا يبدو أن قرار لوكا غوادانينو بعدم عرض المشاهد الجنسية الصريحة كان قراراً سهلاً أو عشوائياً، بل كان اختياراً فنياً مدروساً يعكس فلسفة إخراجية ترى في الإيحاء بديلاً عن المباشرة، وفي الرمز بديلاً عن الجسد. وبين مؤيد ومعارض، يظل “نادني باسمك” عملاً بارزاً في أرشيف السينما العالمية، فتح باباً جديداً للنقاش حول تمثيل الحب والحميمية في العلاقات المثلية.