في زمن تتزايد فيه الحاجة إلى سرديات صادقة عن الهويات الجندرية والميول الجنسية، يبرز المسلسل الإيطالي Prisma كأحد أبرز الإنتاجات التلفزيونية التي تتناول هذه المواضيع بجرأة وإنسانية.
تم إنتاج المسلسل من قبل أمازون برايم فيديو في إيطاليا، ويُعرض حاليًا عبر المنصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) بموسمه الأول فقط.
توأمان وهويتان مختلفتان: القصة في قلب الهوية
Prisma هو مسلسل درامي مكوّن من ثماني حلقات، يتمحور حول توأمين مراهقين متطابقين شكليًا لكن متباينين في شخصياتهم الداخلية: أندريا وماركو.
يعيش التوأمان في مدينة لاتينا القريبة من روما، وهي منطقة ذات طابع معماري يعود إلى فترة الفاشية، مما يعزز من الشعور بالتناقض بين البنى الاجتماعية التقليدية والأسئلة الحديثة حول الهوية.
أندريا، أحد التوأمين، يعيش حالة من الاستكشاف الداخلي للهوية الجندرية، حيث يرتدي سرًا ملابس نسائية ويتواصل مع شخصية عبر انستجرام باسم مستعار.
ماركو، على الجانب الآخر، يعيش علاقة رومانسية متعثرة ويواجه صراعاته العاطفية الخاصة.
من خلال علاقتهما وأصدقائهما، يستعرض المسلسل جوانب متعددة من الحياة الكويرية والتحديات النفسية والانتماء المجتمعي.
تمثيل واقعي بعيد عن التنميط
حرص صنّاع العمل، ومنهم لودوفيكو بيسيغاتو (مخرج وكاتب سيناريو “Skam Italia”) وأليس أورشولو، على تجنب الصور النمطية المعتادة.
يقول دافيدي نارديني، رئيس الإنتاج الأصلي في أمازون إيطاليا: “نريد أن نصوّر هذا الواقع من دون الوقوع في الكليشيهات، ولهذا استعنا بمستشار ترانس منذ مرحلة الكتابة حتى التصوير”.
تم تصوير المسلسل بأسلوب قريب من الواقعية الجديدة، بممثلين غالبيتهم لا يملكون خبرة سابقة، وعلى رأسهم ماتيا كارانّو، الذي أدى ببراعة دور التوأمين المختلفين، معتمدًا على حس فني غريزي في أداء شخصية أندريا، وتحليل عقلاني في تجسيد ماركو.
تمثيل كويري غني ومتنوع
لا يقتصر التمثيل الكويري على أندريا فحسب. فالمسلسل يضم شخصيات أخرى تمر بتجارب مشابهة:
- نينا: شابة مثلية تحاول إعادة التواصل مع حبيبتها السابقة ميكول، لكنها تجد نفسها تنجذب بشكل غير متوقع لأندريا.
- دانييلي: سبّاح وعضو في فرقة راب، يقع في حب شخصية “No_one_knows_me” التي يتواصل معها عبر انستجرام، دون أن يعلم أنها في الحقيقة أندريا.
- كارولا: فتاة تتعامل مع إعاقة جسدية وتعيش علاقة معقدة مع ماركو.
المسلسل يُظهر العلاقات بين هذه الشخصيات بشكل إنساني، ويمنح كل منها لحظات من القوة والهشاشة، بعيدًا عن الكليشيهات.
السرد البصري والموسيقي: العمق في التفاصيل
يتميّز Prisma بجماليات بصرية قوية، تبدأ من اختيار المواقع، إلى الإضاءة وأسلوب التصوير، مرورًا بموسيقى تصويرية تعبّر عن حالة كل شخصية. من أبرز الأغاني المؤثرة أغنية “L’amour et la violence” التي تظهر في مشهد محوري بين أندريا ونينا.
النجاح والنهاية المبكرة: إلغاء غير متوقع
رغم أن Prisma حظي بإشادة نقدية واسعة منذ عرضه الأول في مهرجان لوكارنو عام 2022، ثم إصدار الموسم الأول على برايم فيديو في سبتمبر من العام ذاته، والموسم الثاني في يونيو 2024، إلا أن أمازون أعلنت في سبتمبر 2024 عن إلغاء المسلسل بعد موسمين فقط.
المخرج بيسيغاتو عبّر عن حزنه من القرار، كاشفًا أن موسمًا ثالثًا كان قد كُتب بالفعل ليكمل القصة. وقال: “ربما حقق المسلسل نتائج جيدة، لكنها لم تكن كافية لتبرير تكلفة موسمه الثالث”، مشيرًا إلى تغيّر سياسات المنصات العالمية في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج.
هذا الإعلان أثار موجة احتجاجات عبر مواقع التواصل، حيث أطلق الجمهور هاشتاغات مثل #SavePrismaLaSerie، وبدأت عريضة تطالب بإعادة النظر في القرار، معتبرين أن المسلسل لا يزال يقدّم تمثيلًا مهمًا لشباب كويري يبحث عن هويته.
موسم أول متاح في الشرق الأوسط: الفرصة للتعرّف على عالم Prisma
رغم إلغاء المسلسل، إلا أن الموسم الأول منه ما زال متاحًا على منصة أمازون برايم فيديو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهو فرصة ذهبية للتعرف على واحد من أكثر الأعمال التلفزيونية جرأة في تمثيل الجندر والميول الجنسية ضمن سياق واقعي وإنساني.
مسلسل Prisma كتجربة تعليمية وعاطفية
يقول ماتيا كارانّو، بطل المسلسل: “قبل Prisma، لم أكن أعلم الكثير عن مفاهيم مثل الجندر فلويد. لكن بفضل الدور، تعلمت الكثير عن نفسي وعن العالم”.
ويضيف: “لو استطاع هذا العمل أن يساعد شخصًا واحدًا فقط على تقبّل ذاته، فهذا يكفيني”.
Prisma ليس مجرد مسلسل عن المراهقة، بل هو دراسة حسّاسة عن التحوّل الداخلي، والتعبير عن الذات، وجرأة أن تكون مختلفًا في عالم لا يزال يطالب بالامتثال والخضوع للعادات والتقاليد السائدة.