«قبلة امرأة العنكبوت»… فيلم موسيقي كويري يعيد القصة الأسطورية إلى الشاشة مجددًا

في عودة لواحدة من أبرز القصص الكويرية في الأدب والسينما والمسرح، ظهرت النجمة العالمية جنيفر لوبيز (Jennifer Lopez) في الإعلان التشويقي الأول للفيلم الموسيقي «قبلة امرأة العنكبوت» (Kiss of the Spider Woman) من إخراج بيل كوندون (Bill Condon)، الحائز على جائزة الأوسكار وصاحب أعمال موسيقية بارزة مثل Dreamgirls.

الفيلم الذي طال انتظاره سيُعرض في صالات السينما في أكتوبر 2025 بعد جولته في عدد من المهرجانات السينمائية.

قصة تحمل أبعادًا سياسية وكويرية

تدور أحداث الفيلم حول فالنتين، سجين سياسي يؤدي دوره الممثل المكسيكي دييغو لونا (Diego Luna)، ومولينا، موظف واجهات محلات يُسجن بتهمة «الفجور العلني» ويجسده الممثل الأميركي المكسيكي توناتيو (Tonatiuh).

يلتقي الاثنان في زنزانة واحدة حيث تنشأ بينهما علاقة إنسانية معقدة تتجاوز القيود السياسية والاجتماعية.

يجد مولينا ملاذًا من واقعه القاسي عبر استعادة مشاهد من فيلم خيالي من بطولة نجمة هوليوود اللامعة إنغريد لونا، التي تلعب دورها جنيفر لوبيز، في مزيج من الخيال والموسيقى يفتح نافذة للهروب والحلم.

من الرواية إلى المسرح ثم الشاشة

القصة الأصلية مستمدة من رواية الكاتب الأرجنتيني مانويل بويغ (Manuel Puig) الصادرة عام 1976، والتي أثارت جدلًا واسعًا آنذاك لجرأتها في تناول ثنائية السياسة والجندر.

في 1983 تحولت الرواية إلى مسرحية على يد بويغ نفسه، لتجد طريقها لاحقًا إلى برودواي عبر نص تيرينس ماكنالي (Terrence McNally) وألحان جون كاندر (John Kander) وكلمات فريد إيب (Fred Ebb).

عام 1985، قدّم المخرج البرازيلي-الأرجنتيني هيكتور بابرنكو (Héctor Babenco) النسخة السينمائية الأولى من «قبلة امرأة العنكبوت»، بطولة ويليام هيرت (William Hurt) في دور مولينا وراؤول خوليا (Raúl Juliá) في دور فالنتين. الفيلم لم يكن مجرد اقتباس، بل تحول إلى علامة فارقة في تاريخ السينما الكويرية.

نال العمل استحسانًا نقديًا عالميًا بفضل جرأته في طرح علاقة رومانسية بين رجلين في زمن ما زال يعاني من رهاب المثلية، وأشاد النقاد بقدرته على المزج بين الدراما السياسية والحميمية الإنسانية. حصل ويليام هيرت على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل عن أدائه المعقّد لشخصية مولينا، ليصبح أول ممثل يفوز بالأوسكار عن تجسيد دور رجل مثلي بعمق بعيد عن الكليشيهات.

الفيلم أيضًا دخل التاريخ كأحد أوائل الإنتاجات السينمائية التي قدّمت شخصية كويرية محورية في سياق سياسي واجتماعي معقد، ليُعتبر حجر أساس في بناء «السينما الكويرية» (Queer Cinema) الحديثة. وقد ألهم أجيالًا من المخرجين والكتّاب الذين سعوا إلى كسر الصمت حول الهويات المثلية والجندرية على الشاشة الكبيرة.

ومنذ ذلك الحين، ظلّت القصة تنتقل بين الرواية والمسرح والسينما كعمل خالد يعكس تقاطعات الحب، والحرية، والهوية.

إنتاج ضخم وأسماء بارزة

الإعلان عن النسخة الجديدة جاء في ديسمبر 2023 مع اختيار جنيفر لوبيز لدور البطولة وإنتاجها للفيلم عبر شركتها Nuyorican Productions. يشاركها الإنتاج دييغو لونا الذي يؤدي أيضًا دور فالنتين، بينما أُسند الإخراج إلى بيل كوندون المعروف بقدرته على المزج بين الدراما الواقعية والفانتازيا الموسيقية.

أما تصميم الأزياء فتولته كولين أتوود (Colleen Atwood)، الفائزة بأربع جوائز أوسكار.

كما شارك في وضع الرقصات سيرجيو تروخيو (Sergio Trujillo) وبراندون بيبر (Brandon Bieber)، لتقديم لوحات راقصة تعكس ثراء النص الأصلي.

جنيفر لوبيز في دور غير تقليدي

أشارت لوبيز في تصريحاتها إلى أن التحضير للدور كان «مرهقًا وممتعًا في آن واحد»، خاصة أن مشاهدها الموسيقية تطلبت تصويرها في لقطات طويلة متواصلة.

وقدمت لوبيز أداءً غنائيًا حيًا في احتفالية مهرجان الفخر العالمية WorldPride للعام الجاري، حيث أدت أغنية الفيلم الرئيسية للمرة الأولى، في خطوة عززت مكانة العمل كإنتاج كويري بارز لعام 2025.

عروض أولى وردود فعل نقدية

الفيلم عُرض لأول مرة في مهرجان صندانس السينمائي في يناير 2025، حيث حظي باستقبال حار ووقوف الجمهور لتحية فريق العمل، ما دفع لوبيز للبكاء على المسرح.

لاحقًا، عُرض الفيلم في مهرجانات كبرى مثل لوكارنو في سويسرا وAtlantic International Film Festival في كندا.
على منصّة Rotten Tomatoes حصد الفيلم نسبة 82% من المراجعات الإيجابية، بينما وصفه النقاد بأنه «عمل بصري مبهر» يجمع بين قسوة السجن وبهاء الخيال الموسيقي.

وأشاد العديدون بأداء توناتيو الذي جسد شخصية مولينا بعمق بعيدًا عن الصور النمطية، في حين رأى آخرون أن الفيلم يعاني من بعض البطء في مشاهده الدرامية داخل السجن.

دلالات كويرية عميقة

الفيلم لا يقتصر على كونه قصة رومانسية أو عملًا موسيقيًا، بل هو قراءة في الهوية والانتماء. شخصية مولينا تجسد الهشاشة والقوة معًا، وتكشف كيف يمكن للفن أن يكون وسيلة للهروب والنجاة.

أما علاقة مولينا وفالنتين، فهي تمثل تقاطع السياسة بالحب في أكثر لحظات التاريخ قسوة، حيث الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين خلال «الحرب القذرة».

هذه الأبعاد جعلت من Kiss of the Spider Woman قصة عابرة للأزمنة، تؤكد أن النضال من أجل الحب والحرية لا يقل أهمية عن النضال السياسي.

ما بعد «قبلة امرأة العنكبوت»

مع اقتراب موعد عرضه العالمي في أكتوبر 2025، يُتوقع أن يكون الفيلم أحد أبرز المرشحين لموسم الجوائز السينمائية.

ويرى نقاد أن أداء لوبيز قد يضعها ضمن سباق الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة، بينما يُنتظر أن يحصد الفيلم حضورًا واسعًا داخل المجتمعات الكويرية التي لطالما وجدت في هذه القصة صدى لمعاناتها وأحلامها.

في النهاية، يبقى «قبلة امرأة العنكبوت» أكثر من مجرد فيلم موسيقي جديد، فهو إعادة إحياء لقصة كويرية كلاسيكية عبرت بين الأدب والمسرح والسينما، ولا تزال قادرة على ملامسة قلوب الأجيال الجديدة، وتذكيرنا بأن الفن يمكن أن يكون فعل مقاومة بقدر ما هو مساحة للحلم.