يتبنى البعض خرافات حول الإيدز، منها أن الإيدز مرض المثليين وأن المثليين ينشرون الفيروس وأنه عقاب إلهي لهم وأنه جاء إلينا من الغرب عن طريق السياحة في مخالفة للحقيقة تماما، وكل هذا بسبب رهاب المثلية الجنسية غير المبرر ومن ثم ينكرون نضالهم في التغلب على تلك الأزمة ودورهم الفعال في الحد من انتشار المرض، أدت تلك الخرافات إلى الخوف وكراهية المتعايشات والمتعايشين سواء مثليين أو مغايرين، نساء أو رجال، أطفال أو بالغين.
ولهذا السبب سوف نتناول في هذا المقال حقيقة تلك خرافة وتوضيح دور المتعايشين في النضال من أجل الحياة واستحقاقهم التكريم بدل من الوصمة لمجهوداتهم في نشر الوعي والاحتجاج والضغط على الحكومات لتشخيص حالتهم بدل من حجرهم دون فائدة، وكيف يثبت لنا التاريخ المضئ أنه لا علاقة تربط بين الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري ونشأة الإيدز وانتشاره والرجال المثليين.
تاريخ الفيروس والوصمة الملاحقة له:
في البداية، انتقل الفيروس من الشمبانزي إلى البشر في عشرينيات القرن الماضي أثناء عمليات الصيد عن طريق اختلاط دم الشمبانزي المصاب بدماء الصيادين.
في عام 1981، أبلغت المراكز في الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية في نشرتها الأسبوعية عن انتشار التهاب رئوي بين مجموعات معظمهم من الرجال المثليين إلى جانب أمراض انتهازية أخرى مثل ساركوما كابوزي وهو سرطان يظهر على شكل تقرحات جلدية بسبب ضعف في خلايا الجهاز المناعي، وفي يونيو 1982 اقترح تقرير أن العامل المسبب ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي بين الرجال المثليين، مما جعلهم يطلقون على الفيروس اسم GRID أي نقص المناعة المرتبط بالمثليين وسمي أيضا Gay Cancer أو سرطان المثليين.
وهنا بدأت وتشكلت الوصمة التي ربطت بين المثليين والإيدز باعتباره العقاب الإلهي لهم، وتشكلت حركات تعمل على نبذ المثليين وسرعان ما أدركت السلطات الصحية أن نصف الأشخاص الذين تم تشخيصهم بمتلازمة نقص المناعة ليسوا من المثليين وأن الفيروس انتقل لهم عن طريق تبادل حقن المخدرات ونقل الدم الملوث وبحلول شهر أغسطس من نفس العام سماه الباحثون في مركز السيطرة على الأمراض بـ«متلازمة نقص المناعة (الإيدز)» ومع ذلك ظلت الوصمة تلاحق الرجال المثليين.
وفي عام 1982، في مدينة نيويورك حيث اجتمع 80 رجلاً في شقة الكاتب لاري كرامر في نيويورك لمناقشة وصمة «سرطان المثليين» وجمع الأموال من أجل تقديم الخدمات الصحية للرجال المثليين المتضررين، أسس ناثان فاين ولاري كريمر ولاري ماس وبول بوبهام وبول رابوبورت وإدموند وايت رسميًا منظمة (GMHC) وهي منظمة غير هادفة للربح ومدعومة من المتطوعين ومقرها مدينة نيويورك تنشط في مكافحة الإيدز، وتتمثل مهمتها في «إنهاء وباء الإيدز والارتقاء بحياة المصابيين»، لتكون أكبر منظمة تطوعية لمكافحة الإيدز في العالم حينها وتم إنشاء خط ساخن لإدارة الأزمات كما عملت المنظمة على إلقاء اللوم والضغط على الحكومة لعدم الاستجابة لمطالبهم والانتهاكات التي يتعرض لها مجتمع المثليين من الحجر الصحي والحرمان من تقديم الرعاية الصحية واعتبروا سياسات الحكومة بمثابة إنكار حقهم الأساسي في الحياة وقاموا بالضغط على إدارة الغذاء والدواء لتخفيف القيود العلاجية وتخفيض تكلفة العقاقير المضادة وقياس فاعليتها لأن حياة المصابين بالإيدز لا تحتمل الانتظار، ولا زلت المنظمة موجودة حتى يومنا هذا.
في عام 1983، صدر كتيب «كيفية ممارسة الجنس في ظل الوباء» شارك في تأليفه مايكل كالين وشريكه ريتشارد بيركوفيتز من أجل نشر الثقافة الجنسية بين الرجال المثليين والترانس لحماية أنفسهم والوقاية من فيروس نقص المناعة وتقديم المشورة الطبية لهم والتعريف بالفيروس وطرق انتقاله والوقاية منه وأولى توصيات الكتيب كانت استخدام الواقي الذكري وهنا بدأت فكرة السماح للمصابين بالفيروس بإقامة علاقة جنسية آمنة تحت إشراف الأطباء حيث كان بمثابة أول دليل للجنس الأمن من أجل التمتع بحياة جنسية طبيعية في فترة عصيبة، كما عمل مايكل وشريكه ريتشارد على مناصرة حقوق الأشخاص المصابين بالإيدز، فقاموا بإنشاء الورش ومجموعات الدعم ومثلوا المصابين في المؤتمرات مثل «مبادئ دنفر»، حيث قدمت التوصيات لمقدمي الرعاية والخدمات الصحية وتوصيات لجميع الناس وتوصيات للأشخاص المصابين وتسليط الضوء على حقوقهم الأساسية مثل الحق في الحياة والكرامة والخصوصية الطبية وغيرها.
بحلول عام 1985، أصبح اختبار فيروس نقص المناعة متاحا للجميع، وفي نفس العام ظهر الناشط في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية ومرض الإيدز ريان وايت، وهو مراهق من ولاية إنديانا مصاب بالإيدز تم منعه من الدراسة بسبب حالته الصحية، وعمل على التحدث علانية ضد وصمة العار والتمييز ضد المصابين بفيروس نقص المناعة والإيدز، كان راين وايت واحدا من أهم الذين ساعدوا في تغيير النظرة العامة للفيروس والمرض.
في عام 1984، أقيم أسبوع التوعية بالإيدز الأول للتوعية بالإيدز في سان فرانسيسكو بهدف التثقيف ونشر الوعي حول فيروس نقص المناعة والإيدز والمتعايشين والمرضى من تعزيز حماية الصحة الجنسية وإنهاء وصمة العار والتمييز ضد الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية ومرض الإيدز، وفي نفس العام أيضا عقدت مسيرة إضاءة الشموع من قبل الناشط كليف جونز والتي عقدت عام 1978 في ذكرى هارفي ميلك أول عمدة مثلي منتخب في الولايات المتحدة الأمريكية، فكانوا يكتبون أسماء أحبائهم الذين توفوا بسبب نضالهم من أجل الحياة للقضاء على الإيدز، تم تسجيلها في المبنى الفيدرالي القديم في سان فرانسيسكو، وفي أواخر الثمانينات بدأ تمويل المنظمات المحلية والإقليمية والمجتمعية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية ومرض الإيدز بعد ضغط النشطاء، كما بدأ عمل المثليين في الترويج لاستخدام الواقي الذكري.
وفي عام 1987، تشكل تحالف ACT UP تحت شعار«الصمت يعني الموت»، وهي مجموعة سياسية شعبية دولية من المثليين والمثليات والنساء المصابات بالإيدز، أسسها كل من لاري كريمر، ديدير ليستراد، فيتو روسو. عملت المجموعة على تحسين حياة المصابين بالإيدز وإحداث التغيير الإيجابي لهم من خلال وضع خطة لإبطاء معدل الإصابة من خلال جمع التبرعات والأبحاث الطبية والتجارب السريرية والعلاج ودعوة الآخرين والعمل على تغيير التشريعات والسياسات العامة.
حتى بدأ أحد أهم الأحداث العالمية «اليوم العالمي للإيدز» والذي يقام سنويًا في 1 ديسمبر من أجل التوعية بفيروس نقص المناعة ومرض الإيدز والتوعية بحقوق المتعايشين، كما أنه أيضا وقت لتكريم الأشخاص الذين فقدوا حياتهم بسبب الإيدز، وقد تم الاحتفال به لأول مرة في أغسطس 1987.
حيث عمل الجميع في ذلك الوقت معا كيد واحدة من أجل قضية واحدة وهي النضال من أجل الحب والحياة، منهم من كرس حياته للكفاح ضد الفيروس من خلال تنظيم حملات التوعية والتثقيف الجنسي وزيادة الوعي بالمرض وطرق انتقاله، ومنهم من عمل على تقديم المواد التعليمية في المدارس والجامعات، منهم من عملوا على جمع التبرعات والتمويل المالي للمنظمات غير الربحية المعنية بتقديم الخدمات للمرضى المتأثرين بالفيروس، منهم من عمل على كتابة التقارير من أجل تغطية أزمة الإيدز الناشئة في الثمانينيات والتسعينيات وتأثيرها على مجتمع المثليين.
كما تشكل فريق لتقديم وتوفير الطعام والوجبات الغذائية لدور رعاية المرضى ومنازلهم، كما تكونت الحركات والاحتجاجات والمظاهرات من أجل دعم وتمكين حقوق الأشخاص المصابين والقضاء على التمييز ووصمة العار كما استخدموا وسائل الإعلام المختلفة في التثقيف الجنسي والتوعية بالجنس الأمن، كما تشكل فريق من الفتيات المثليات لتوزيع الأوقية الطبية على النساء المثليات والرجال المثليين وتقديم الدعم لهم.
في النهاية الميل الجنسي المثلي ليس مخزي وعار وأن الحب بين الرجال كان سببا في تحرير المثليين والعمل من أجل حماية أنفسهم ضد الفيروس والمرض والوصمة وتباطؤ الحكومة والجهات الطبية وتشويه الإعلام في ذلك الوقت ضد المصابين والمرضى عموما والمثليين منهم خصوصا.
كتابة: فارس