منذ بداية العدوان على غزة والمشروع الصهيوني في حالة هيستيريا، يسعى من خلالها أن يُظهر للعالم الأوراق التي قضى طوال السنوات السابقة يستثمر فيها بمبالغ طائلة حتى يُذكر العالم بأنه الدولة “الديمقراطية” الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، وأن تل أبيب هي “جنة المثليين” حسب تعبيرهم.
كانت إسرائيل دائمًا تروج لنفسها على أنها “علامة تجارية” أو منتج، تحاول من خلاله جذب أنظار كل من يبهره التقدمية الأمريكية والأوروبية. واضعة في الصفوف الأمامية الصهاينة الذين تتناسب خطاباتهم مع نفاق الحكومات الغربية.
فلا نتعجب حين نرى بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، يكرر عبارة “مثليون من أجل غزة… هم دجاج من أجل كنتاكي” أمام الكونجرس الأمريكي الذي صفق لتلك الجملة السخيفة التي يفضل داعمو الصهيونية استخدامها في محاولة منهم لاستفزاز داعمي فلسطين من مجتمعات الميم.
لم ولن تخفي أصوات التصفيق جرائم الاحتلال المرتكبة في كل أنحاء فلسطين والأصوات الأخرى المعادية لأفراد مجتمعات الميم عين داخل إسرائيل. فقد روج وزير المالية الإسرائيلي بتسلإيل سموتريتش لرجم المثليين/ات والعابرين/ات. كما نظم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير مسيرات مناهضة لمسيرات الفخر في القدس.
يحاول المشروع الصهيوني جاهدًا إخفاء هذه الخطابات المرحضة على الكراهية عن الصحافة الخارجية حتى لا تؤثر على دعايته باهظة الثمن لجذب السياح، ولذلك نجد تغطية محدودة لجريمة الكراهية التي حدثت في مسيرة الفخر في القدس عام 2016 والتي قُتلت فيها “شيرا بانكي” المراهقة البالغة من العمر 16 عامًا، وأصيب أكثر من 10 أشخاص، على يد “يشاي شليسيل” اليهودي الأرثوذكسي المتطرف، الذي ارتكب نفس الجريمة قبلها بعشر سنوات وأعاد ارتكابها بعد الإفراج عنه بثلاثة أسابيع.
وعلى الرغم من وجود بعض الصور التي ألتقطت له قبل ارتكاب الجريمة، والتي تثبت أن الشرطة كانت على علم بوجوده، إلا أنها لم تمنعه أو تتخذ أي إجراء للتأمين أمام التهديد الذي يشكله وجوده في تلك المسيرة.
إلى جانب التدمير الذاتي الذي تقوم به إسرائيل لدعايتها الخارجية عن كونها دولة آمنة لجتمعات الميم عين، شهدنا خلال بعض الحملات المناهضة للصهيونية تسليط الضوء على أن إسرائيل لم تقنن حتى الآن زواج المثليين/ات، وهو أمر سبقهم فيه الكثير من الدول التي لا تصرف عشرات الملايين من الدولارات لتخبر العالم بأنها دول مرحبة وداعمة لحقوق مجتمعات الميم عين. وللتوضيح، هذا يعني أنه إذا كنت رجلاً متزوجًا من رجل أو امرأة متزوجة من امرأة، فإن الدولة الصهيونية لا تعترف بزواجكمن، وبالتالي ليس لكمن أي حق في التبني أو الرعاية الصحية العائلية أو تسهيلات الإسكان العائلي.
من الواضح إذن أن غرض إسرائيل من المثليين والعابرين هو استخدامهمن كمنتج أو أداة سياسية، حتى تضع حولها هالة من التقدمية الزائفة لتخفي بها تطرف فئة كبيرة من المجتمع الصهيوني ولتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، كما رفع الجندي الإسرائيلي “يوآف أتزموني” علم الفخر مكتوبًا عليه “باسم الحب” وسط حطام غزة.
وبهذا تسير إسرائيل بشكل أعمى على خطى الولايات المتحدة الأمريكية الاستعمارية، حتى وإن كانت لا تقصد ذلك، وكأنه تشكل في لا وعيها السياسي.
لم أستطع التوقف عن تخيل الأمر كأنه مجرد استنساخ لما فعلته أمريكا باحتلالها للعراق وقتلها للعراقيين، من خلال محاولاتها وضع ذلك في سياقات أخرى زائفة تدّعي أنها تقوم بـ”تحرير” الكويريين/ات العراقيين/ات.
ولكن، لماذا لا تنظر إسرائيل لتوابع ما فعلته أمريكا بالعراق؟ هل أصبحت العراق الآن “جنة الكويريين/ات” بعد التدمير الأمريكي لها؟ بل العكس، الوضع يزداد سوءًا.
يلاحق الخطر أفراد مجتمعات الميم عين في العراق من خلال القوانين التعسفية التي تحاول الحكومة إقرارها، ومن خلال التضييق على المؤسسات الداعمة لهذه المجتمعات هناك، بالخطابات التي تتضمن “الانسحاق للثقافة الغربية والأمريكية”.
وباستغلال الصدمة التي تعرض لها الشعب العراقي بسبب الاحتلال الأمريكي، جرت محاولة ربطها بالكويرية، خاصةً بعد انتشار تقارير تفيد بوجود حالات إساءة معاملة للمعتقلين العراقيين على يد جنود أمريكيين، تتضمن حالات اغتصاب. حتى الآن ومنذ عام 2003، لم يُحاكم المسؤولين عن ارتكاب تلك الجرائم.
يواجه الفلسطينيون/ات الكويريون/ات جحيمًا عند طلب اللجوء إلى إسرائيل
“لو كنت أعلم أن الأمر سيكون كذلك في إسرائيل، لفضلت الموت في الضفة الغربية” — محمد، شاب فلسطيني كويري تعرض للاضطهاد على أساسا هويته الجنسية في المجتمع الفلسطيني
عندما حاول العثور على ملجأ آمن في إسرائيل، اكتشف أنه قد انخدع بالدعاية الصهيونية التي تزعم أن إسرائيل هي الدولة الأكثر ترحيبًا بأفراد مجتمعات الميم عين في العالم. لكن ما وجده من تعنت في إجراءات طلب اللجوء، ووحشية الشرطة، والإجراءات البيروقراطية التي لا نهاية لها، أثبت العكس.
بالإضافة إلى الابتزاز المادي الذي يتعرض له الفلسطينيون داخل إسرائيل، حيث يُمنحون إقامة مؤقتة تدوم لبضعة شهور فحسب ولا تتيح لهم العمل.
مما يضطر الفلسطينيون للعمل دون رخصة قانونية إسرائيلية، وأحيانًا يلجأون للدعارة مما يعرض حياتهم للخطر، وينام البعض في الشوارع أو في منازل الغرباء.
حتى التأمين الصحي يُحرمون منه في معظم الأحيان. ولا يمكنهم الاشتراك في وسائل المواصلات العامة أو الحصول على رخصة قيادة، وكأن الدولة لا تعترف بوجودهم على أراضيها.
يعدّ طلب اللجوء لدولة ثالثة أمرًا شديد الصعوبة ويستغرق سنوات بسبب التعنت الإسرائيلي.
والأخطر هو أن بعض اللاجئين/ات قد لا تُجديد إقامتهم/ن المؤقتة أو يُرفض طلبات لجوئهم/ن منذ البداية، ويُرحلون، كما حدث مع هُداية، وهي فتاة عابرة فلسطينية هربت من المنزل في سن 12 عامًا بعد أن تعرضت للاضطهاد والاستغلال الجنسي، وتهديدات بالقتل من عمها.
لجأت هُداية إلى إسرائيل، لكن بعد أسابيع قليلة من دخولها البلاد، بينما كانت تطلب بعض الطعام من الغرباء في الشارع، ألقت الشرطة القبض عليها وأعادتها إلى الأراضي الفلسطينية.
تكرر الأمر مع هُداية في كل مرة تحاول فيها الهرب من الخطر الذي يلاحقها من عمها، لتواجه وحشية وتعنت الكيان الصهيوني الذي يعرّض حياة اللاجئين/ات الفلسطينيين/ات للخطر ولا يضع في اعتباره آمانهمن على الاطلاق.
إسرائيل، في الحقيقة، تمتلك أدني معدلات الاعتراف باللاجئين/ات على مستوي العالم، ويرجع ذلك لموقفها السلبي تجاه هجرة غير اليهود. وحسب تقرير “الجمعية العبرية لمساعدة المهاجرين” لعام 2019 فإن طلبات اللجوء التي وافقت عليها السلطات في السنوات الأخيرة بلغت 0.09% فقط.
حتى داخل الحدود الفلسطينية، لا يسلم أفراد مجتمعات الميم من الملاحقة والاستفزاز من جنود الاحتلال ووحدة استخبارات جيش الدفاع الإسرائيلي 8200، التي خرجت منها اعترافات موثقة من 43 عضوًا سابقًا بأن هذه الوحدة تجمع معلومات حساسة عن الفلسطينيين/ات الموجودين/ات في الضفة الغربية لاستخدامها لاحقًا لابتزازهم/ن للتعاون كعملاء للجيش الإسرائيلي.
كما حدث مع مجد، شاب فلسطيني مثلي الجنس، نشأ في قرية قرب جنين في شمال الضفة الغربية، وهي قرية محافظة وتعتبر معقلًا للجماعات السياسية الإسلامية.
بعد حصول مجد على تصريح لزيارة مستشفى في القدس، انتهز الفرصة للقاء حبيبه الإسرائيلي. أثناء لقائهما، أوقفتهما الشرطة واطلعت على وثائقهما، ولأن مجد لم يكن في المستشفى المرفقة في التصريح، فقد اعتقلتهما واستجوبتهما بشكل منفصل.
وزعموا أن مجد قد وضع قنبلة في سيارة حبيبه، وهددته الشرطة بالضرب وإعلام أهله بميوله الجنسية إن لم يتعاون معهم ويبلغهم عن التظاهرات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، ويشاركهم أسماء المنظمين لها والأشخاص المتدينين في القرى في الضفة الغربية، وأسماء الأطفال الذين يلقون الحجارة على السيارات العسكرية الإسرائيلية.
حتى أنه في يوليو 2023، تعرض رجل فلسطيني يدعى محمد للابتزاز والضرب على يد أحد جنود الاحتلال الموجودين عند الحواجز، على الرغم من امتلاكه بطاقة هوية مقدسية تسمح له بالتنقل بحرية بين الأراضي المحتلة وإسرائيل.
وعندما كان يقود محمد سيارته من الضفة الغربية إلى القدس مع رجل فلسطيني تعرف عليه عبر تطبيق “جرايندر”، وعند وصولهم إلى الحاجز، أوقفهم جندي إسرائيلي وطلب تفتيش هاتف محمد.
وعندما وجد أيقونة تطبيق “جرايندر” على هاتفه، احتجزوا محمد وشريكه لخمس ساعات، وفحص خلالها مسؤول إسرائيلي محادثاته على التطبيق وصوره الخاصة، وشرع في سؤاله عن لقاءاته مع فلسطينيين آخرين.
وعندما طلب المسؤول من محمد التعاون معهم مقابل مدفوعات بالشيكل ووعد بعدم اعتقاله، رفض محمد مما عرضه للضرب لمدة ساعتين على يد جنود الاحتلال.
بالطبع لم يتم تغطية تلك الانتهاكات بحق الفلسطينيين بشكل واسع، كما هو الحال مع العديد من الانتهاكات التي تحدث يوميًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأنها قد تفسد دعاية الدولة الصهيونية التي قد تحولها من جنة الديمقراطية وحقوق الأقليات إلى الجحيم المطلي أبوابه باللون الوردي.
بين دعاية “اطلق نيران شغفك في شهر الفخر في تل أبيب” وحقيقة “أوقفوا النيران التي تشتعل يوميًا في أجساد الأطفال والأبرياء في غزة بسبب صواريخ الاحتلال”، من المهم أن يرى العالم أن غالبية الأصوات التي تعلو في إسرائيل هي الأصوات المتطرفة، وأن طلاء دعاياتها الزائف سيسقط لا محالة، وحينها ستظهر ألوان الاحتلال الحقيقية.
كتابة: عبد الرحمن بركات
References:
-https://mynbc15.com/news/nation-world/netanyahu-likens-gays-for-gaza-to-chickens-for-kfc-in-speech-to-congress-israeli-prime-minister-benjamin-netanyahu-israel-palestine-gaza-washington-dc-anti-israel-protesters
-https://www.bbc.com/news/world-middle-east-36634148
-https://www.bbc.com/news/world-middle-east-33752111
-https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-3326208,00.html
-https://www.haaretz.com/israel-news/elections/2019-01-15/ty-article/.premium/radical-settler-proud-homophobe-and-wunderkind-new-leader-of-israels-far-right/0000017f-e499-d7b2-a77f-e79fce7e0000
-https://www.middleeasteye.net/news/israel-palestine-war-soldier-rainbow-flag-gaza-condemned-pinkwashing-textbook
-https://windycitytimes.com/2003/04/23/stop-using-gay-liberation-as-a-war-guise/
-https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2023/03/iraq-20-years-since-the-us-led-coalition-invaded-iraq-impunity-reigns-supreme/
https://www.972mag.com/lgbtq-palestinians-israel-asylum/-
-https://drive.google.com/file/d/12B8b3YJNnfDSwYfkQahWFkNeZxS4uGO1/view (page 24)
-https://www.haaretz.com/2014-09-12/ty-article/43-ex-unit-8200-soldiers-to-refuse-reserve-duty/0000017f-e210-d568-ad7f-f37b5b310000
-https://www.vice.com/en/article/gay-palestinians-are-being-blackmailed-into-working-as-informants/
-https://www.dropsitenews.com/p/how-israels-elite-intelligence-unit