أطياف
Ma Rainey

كيف لعبت النساء المثليات دورًا في صناعة موسيقى البلوز/الجاز؟

يعتقد البعض أن المجتمع الكويريّ لم يكن له ظهور نهائيًا في فترة العشرينات حتى الخمسينات، و أن الناس كانوا خائفين من إظهار ميولهن الجنسية المختلفة، لكن في شارع هارلم، حيث ولد البلوز، كانت الموسيقى مساحة للتعبير عن الميول الجنسية المختلفة، خاصةً للنساء.

احتضن شارع هارلم فنانات البلوز/الجاز ذوات البشرة السمراء اللاتي احتفلن بثقافتهن، وتشاركن حبهن للموسيقى، ووجدن الحرية في التعبير عن حياتهن وعن علاقتهن بكل جرأة وصراحة في أغانيهن متحديات الأنماط السائدة للعلاقات الغيرية والمعيارية الغيرية وقواعد وقوالب المجتمع للهوية الجنسية. وكتب بعض المؤلفين عن شارع هارلم بأنه كان شارعًا “مثليًا مثلما كان أسودًا”.

ومن الرموز الكويريّة البارزة في تاريخ البلوز:

ما ريني، أم البلوز

Ma Rainey

عرف عن الأسطورة ما ريني Ma Rainey، الملقبة بـ أم البلوز، علاقاتها العاطفية مع النساء، فلم تخفي هذا الأمر عنها، بل احتفت به أيضًا في أغانيها، ففي واحدة من أشهر أغانيها Prove It On Me Blues، ظهرت ما ريني في هذه الأغنية وهي ترتدي سترة وربطة عنق رجالية حينها، بينما يتابعها أحد رجال الشرطة وهي تحاول إغواء سيدتين في زاوية الشارع، وهناك أغاني كثيرة عبرت فيها ما ريني عن النساء المثليات وعن انجذابها وعلاقاتها العاطفية مع النساء، مثل أغنية Shave ‘Em Dry Blues وBlack Eye Blues.

بيسي سميث، إمبراطورة البلوز

Bessie Smith

أتت بيسي سميث Bessie Smith بعد ما ريني لتأخذ لقب إمبراطورة البلوز، وفي الحقيقة جمعت سميث وما ريني علاقة قوية خلال مسيرتهن الفنية، حيث تعلمت بيسي الكثير من منها عندما قدمتها ما كمغنية مشاركة في عروضها في بداية المسيرة الفنية لـ بيسي.

كانت بيسي مثل ما، تعبر عن حياتها العاطفية وعلاقاتها مع النساء دون خجل، رغم توبيخ زوجها الثاني جاك جي لها، لعلمه أنها كانت تقيم علاقات مع نساء متزوجات، وخاصةً الراقصات الاستعراضيات في عروضها الفنية، ومن أبرز الأغاني التي عبرت فيها عن انجذابها للنساء It’s Dirty But Good.

جلاديس بنتلي، ثورية البلوز

Gladys Bentley

سُميت جلاديس بنتلي Gladys Bentley بالثائرة والجريئة، في فترة عصر النهضة لشارع هارلم، عرفت جلاديس حينها بكونها امرأة غير نمطية، حيث كان ينظر لها ممن حولها بأنها امراة ذات طباع “رجولية”، وقدمت أغلبية عروضها الفنية في الحانات التي كانت ترحب بالمثليين والمثليات، ودائمًا ما كانت ترتدي بدلات رسمية رجالية وتعبر عن إعجابها بالنساء.

لم تسلم جلاديس من المجتمع والسياسين الذين هتفوا في خطاباتهم أن “المثلية الجنسية والاشتراكية هما هلاك المجتمع” في فترة الخمسينات، حيث اضطرت إلى الزواج من رجل، لإنقاذ حياتها الفنية، وأصبحت ترتدي الفساتين وخضعت لعلاج هرموني حتى تثبت للصحافة والمجتمع أنها “شُفيت” مما كانت عليه من قبل وأنها قد أصبحت مغايرة.

ورغم أن حياة جلاديس كانت مريرة، إلى أن ذكراها قد خُلدت ويُحتفى بها في تاريخ الحركة والعمل النسوي الكويريّ، لشجاعتها في تحدي الأنماط الجندرية والجنسية التي تسود المجتمع، كونها امرأة مغنية سمراء داكنة البشرة، اختارت أن تعيش حياتها في البداية كما تريد ضد العنصرية والهوموفوبيا.

دائمًا ما يمكنك أن تغني عن أحزانك مع البلوز

كان البلوز/الجاز دائماً مساحة فنية للتعبير عما بداخل الشخص من حزن أو سعادة، أو التهكم والاعتراض عما يحدث في المجتمع، خاصة لذوات البشرة السمراء الذين صنعوا بأنفسهم تاريخ وثقافة البلوز مع معاناة حياتهن ومع المطالبة بحقوقهن.

والنساء اللاتي استخدمن صوتهن وقصصهن لكسر القوالب الاجتماعية التي فرضت عليهن وعلى باقي النساء، رغم الصعوبات التي تعانيها المرأة كونها امرأة في ذاك العصر، ناهيك عن كونها امرأة سمراء داكنة البشرة، تقريبًا كانتا يعشن بلا حقوق وقتها.

إلا أن هؤلاء النساء حاولن أن يعشن حياتهن بالطريقة التي تناسبهن، فلم يهتموا إذا ما كان يجب أن ترتدي المرأة الفساتين فقط، بل أثبتوا أنها تستطيع أن ترتدي مثل الرجل وأن الرجل يستطيع ارتداء الفساتين أيضًا.

ولم يخافوا أن يعبروا في أغانيهن عن تفضيلهن للنساء، وإقامة علاقات مع النساء في حياتهن. وتركوا تراث وثقافة يحتفى بها دون تجاهل أو محي لهن ولقصصهن من التاريخ، بل يُدرس هذا التاريخ الكويري النسوي التقاطعي حتى الآن، وكانت هذه خفايا بسيطة من تاريخهن الحافل، ما وصلنا منه وما لم يصلنا.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.