من هو أبو تريكة؟
نشأ محمد أبو تريكة في ناهيا بمحافظة الجيزة في مصر. وهي من الأحياء التي انتشرت بها أفكار الإخوان المسلمين بشكل كبير. وتخرج في كلية الآداب قسم تاريخ جامعة القاهرة. وهو لاعب كرة قدم دولي مصري سابق.
بدأ حياته الكروية من نادى الترسانة ومن ثم نادى الأهلي. وله العديد من الإنجازات على المستوى الفردي ومنها تكريمه في مايو 2016 من الفيفا ضمن مجموعة من أساطير كرة القدم في حفل أقيم بالمكسيك. فهو لاعب له تاريخ وله العديد من المشجعين/ات والمتابعين/ات من دول ناطقة بالعربية أو ذات أغلبية مسلمة أو دول من غير الفئتين.
ويرى العديد أبو تريكة على أنه رمز كروي ويعبر عن المجتمعات الناطقة بالعربية والمسلمة الوسطية. اعتزل أبو تريكة عام 2013. وقبل بطولة كأس العالم عام 2014، أعلنت قنوات بي ان سبورت التعاقد مع أبو تريكة كمحلل رياضي لكأس العالم، ومن ثم أصبح أبو تريكة محلل في تلك القنوات الرياضية الهامة وحتى الآن. كما يقيم في قطر مع أسرته، حيث تتخذ القناة من الدولة الخليجية مقرًا لها.
أبو تريكة والدولة المصرية
بعد ثورة 30 يونيو في مصر والتي أطاحت بحكومة جماعة الإخوان المسلمين، صدر قرار من لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين عام 2015 بالتحفظ على أموال محمد أبو تريكة ليشمل جميع حساباته السرية بجميع البنوك وجميع الأسهم التي يمتلكها بالبنوك والشركات وذلك إلى حين التأكد من عدم انتمائه لجماعة الإخوان.
وذلك بالرغم من عدم صدور أي حكم قضائي ضده وليخرج بعد ذلك قرار قضائي عام 2016 من محكمة القضاء الإداري بإلغاء التحفظ على أموال أبو تريكة وكل ما ترتب عليه من أثار.
وفى عام 2017 قررت المحكمة الجنائية بالقاهرة إدراج أبو تريكة ضمن الشخصيات الإرهابية بعد أن اتهمته بالمساهمة في تمويل جماعة الإخوان المسلمين بقصد القيام بأعمال إرهابية والإضرار باقتصاد الدولة المصرية.
رفع أبو تريكة تظلم قانوني، ولكن أيدت محكمة الاستئناف الحكم ببقاء اسم أبو تريكة اللاعب المصري الدولي السابق على قوائم الإرهاب حتى عام 2023.
أبو تريكة والدوري الإنجليزي
حدثت أزمة كبرى عندما وجه اللاعب المصري الدولي السابق أبو تريكة انتقادًا لموقف الدوري الإنجليزي من دعم مجتمعات الميم أثناء تواجده في ستوديو بي ان سبورت لتحليل مباراة مان يونايتد وتشيلسي.
حيث تحدث حينها أبو تريكة عن حملة دعم أطلقها الدوري الإنجليزي الممتاز (بريميرليج) بارتداء اللاعبين لشارات قوس قزح التي تعبر عن التضامن مع مجتمعات الميم ووصف أبو تريكة تعامل «المجتمع العربي الإسلامي» مع دعم حقوق مجتمعات الميم بـ«الأيديولوجية الخطيرة»، مطالبًا اللاعبين العرب والمسلمين بضرورة عدم التعامل مع تلك الحملات.
وكذلك طالب أبو تريكة الإعلام الناطق بالعربية بضرورة التصدي لـ«الظواهر التي لا تتناسب مع طبيعة المجتمعات العربية الإسلامية».
ونلاحظ هنا أن اللاعب السابق يرى أن المثليين وأفراد مجتمعات الميم منتج غربي يريد الغرب تصديره إلى الدول الناطقة بالعربية وذات الأغلبية المسلمة وليسوا أشخاص بالفعل ولدوا ويعيشون في تلك الدول ويتعرضون للعنف بشكل ممنهج ومستمر من الدولة والمجتمع.
وحتى التريبة التي يتعرض لها أفراد مجتمعات الميم من أن كون الأشخاص المثليين والترانس حرام وجريمة وضد فطرة الإنسان. وبالتالي نجد أفراد مجتمعات الميم يعانون من إنكار للذات والعنف والغضب الموجه إلى أنفسهم/ن وإلى الأشخاص الذين يشبهونهم من مجتمعات الميم.
اصطفاف خطابات الكراهية
وأيضًا خرج الأزهر الشريف للتضامن مع موقف أبو تريكة بنشر رسالة عبر تويتر تقول إن «الأزهر الشريف يحذر من المواد الإعلامية التي تستهدف تطبيع الشذوذ الجنسي، وأن الشذوذ الجنسي فاحشة منكرة، وانحلال أخلاقي بغيض، ومخالفة لتعاليم الأديان، وانتكاس للفطرة الانسانية السوية، وإمعان في المادية وتقديس الأهواء».
ونرى هنا كيف يتم تحويل القضية من منطلق حقوقي إلى منطلق ديني ليكون أفراد مجتمعات الميم ضد الدين وأيضًا غير مرحب بهم/ن في الديانة الإسلامية وهذا ما يعرض هذه المجتمعات إلى النبذ والعنف والقتل على يد أفراد المجتمع ويؤدى أيضًا إلى انتحارهم لأنهم/ن يرون أنفسهم/ن وحياتهم/ن غير مرحب بها وأن مصيرهم/ن الجحيم والنار كما يقول رجال الدين الإسلامي والمسيحي في الدولة المصرية والتي تناهض وتحارب التعددية الجنسية.
انتقدت الصحف الغربية تصريحات أبو تريكة وكانت هناك ردود أفعال من منظمات داعمة لحقوق مجتمعات الميم واصفة تصريحات أبو تريكة والمحلل بقنوات بي ان سبورت الرياضية بأنها تشجع على الكراهية والعداء الواضح للمثليين وتحريض على العنف تجاه مجتمعات الميم. كما طالبت جهات عديدة استبعاد أبو تريكة من صفوف القناة ولكن هذا لم يحدث. وهذا يجعلنا نتساءل ما هي سياسات قنوات بي ان سبورت تجاه التحريض على الكراهية والعنف؟
قنوات بي ان سبورت التابعة لمجموعة بى ان الإعلامية والتي يشغل رئاسة مجلس إدارتها ناصر الخليفي. وهذه الشركة التي دعمت عام 2014 حملة «فخورين باختلافاتنا» التي أطلقها دوري المحترفين بفرنسا ووتهدف إلى مناهضة العنصرية داخل أوروبا والتأكيد على أن «كرة القدم تتسع للجميع».
ولكن على النقيض تعمل الشركة عبر قنوات بي ان سبورت التي يعمل بها أبو تريكة ويستغلها للتشجيع على التمييز والتحريض على الكراهية والعنف ضد مجتمعات الميم. ونرى أن هناك وجهان لهذه الشركة.
ويرى البعض بأن أبو تريكة هو ظاهرة تعبر عن كراهية المثليين في المجتمعات الناطقة بالعربية وذات الغالبية المسلمة وأنه ليس الوحيد وإنما يعبر عن شريحة كبيرة من تلك المجتمعات التي لا تتقبل المثليين حتى الآن وتصل العقوبات إلى حد الإعدام في بعض الدول.
أبو تريكة وكأس العالم في قطر 2023
منذ إعلان الفيفا عام 2010 فوز قطر باستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، أصبح هناك شكوك حول مدى استعداد الدولة القطرية لاستقبال الجماهير من مجتمعات الميم كونها تجرم المثليين والترانس وتصل العقوبة إلى حد الإعدام.
ومع قرب موعد البطولة انطلقت دعوات كثيرة للدولة القطرية باحترام حقوق مجتمعات الميم.
ولكن كانت هناك أقاويل متضاربة من المسؤولين في الدولة القطرية ما بين أنهم يرحبون بجميع الجماهير بما فيهم أفراد مجتمعات الميم وسيسمح لهم التواجد والتعبير بحرية وسلام، وما بين أقاويل أخرى تقول إن الحضور عليهم احترام العادات والتقاليد داخل الدولة القطرية التي يتبع غالبية سكانها الديانة الإسلامية.
إقحام الدين وتلميع قطر
ويقول اللاعب المصري السابق المقيم في قطر إن المجتمع العربي لن يغير دينه وعاداته وتقاليده من أجل 28 يومًا ومطالبًا جميع الزوار من دول العالم بالتعرف عن قرب على الطباع والأخلاق الإسلامية. حيث يرى اللاعب أن تلك الطباع والأخلاق تتقبل الرجال المغايرين فقط وليس الرجال المثليين. وأنه لا مكان للرجال المثليين بينهم، مما يزيد من شعور مجتمعات الميم بالنبذ والعزلة والميول الانتحارية.
كما أعرب عن إحساسه بالفخر كون قطر أول دولة عربية إسلامية تستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم وأن المجتمع العربي والإسلامي سيظهر بطولة تعكس القيم الدينية والإسلامية بشكل صحيح.
وافتتح محمد أبو تريكة أول استوديو تحليلي في كأس العالم قطر 2022 بترتيل آية قرآنية من سورة الحجرات، والتي تنص: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير». ربما يظهر أن الغرض من تلك الآية الترحيب بالمختلفين، ولكن العكس تمامًا. حيث استخدمتها حملة التشجيع على الكراهية والعنف ضد مجتمعات الميم التي تدعى «فطرة» وتبعها العديد من نشطاء الكراهية.
خطاب متضارب وفهم مغلوط
وعلى جانب آخر عند ظهور المنتخب الألماني في أول مباراة له قام اللاعبين بوضع أيديهم على أفواههم اعتراضًا على منع الفيفا وضع إشارة قوس قزح التي تعبر عن التضامن مع مجتمعات الميم خرج إلينا أبو تريكة قائلاً لهم: «احترموا أنفسكم. احنا قوم أعزنا الله بالإسلام ومش هنتغير ودي قوانيننا. وبطلوا نظرة الاستعلاء والعنصرية».
وهذا يدل على عدم وعي اللاعب بأن حقوق مجتمعات الميم ليست مستوردة من الغرب وإنما حقوق مواطنين/ات ولابد من الدول عدم التمييز بين مواطنيها. ويجب تعديل قوانيننا لحماية أفراد مجتمعات الميم وتعزيز حقوقهم التي هي جزء من حقوق الإنسان.
ويستمر مسلسل اللاعب المصري الدولي السابق في نشر خطابات الكراهية والتحريض على العنف تجاه مجتمعات الميم بشكل مستمر ولا يوجد رد فعل من جانب القناة التي يعمل بها والتي تتخذ من الدوحة بالدولة القطرية مقر رئيسًا لها. بل يتصاعد خطاب الكراهية والتحريض تجاه مجتمعات الميم من جانبه عاكسًا هوسه الشديد بأفراد مجتمعات الميم وقضاياهم.
كتابة: محمود رشاد