أطياف

الخفايا الكويريّة لتاريخ موسيقى البلوز

ربما  عند سماع كلمة البلوز أو الجاز تتخيلون رجل من أصحاب البشرة السمراء يقوم بالغناء أو عزف آلة موسيقية ما، لكن هل فكرتن يوماً أن هناك تاريخ كويريّ للبلوز؟! 

يعتقد البعض أن المجتمع الكويريّ لم يكن له ظهور نهائيًا في فترة العشرينات حتى الخمسينات، و أن الناس كانوا خائفين من إظهار ميولهن الجنسية المختلفة، لكن في شارع هارلم، حيث ولد البلوز، كانت الموسيقى مساحة للتعبير عن الميول الجنسية المختلفة، خاصةً للنساء.

في مدينة نيويورك، كان شارع هارلم المكان الذي ظهرت فيه موسيقى الجاز/البلوز، احتضن هذا الشارع فنانات البلوز/الجاز ذوات البشرة السمراء اللاتي احتفلن بثقافتهن، وتشاركن حبهن للموسيقى، ووجدن الحرية في التعبير عن حياتهن وعن علاقتهن بكل جرأة وصراحة في أغانيهن متحديات الأنماط السائدة للعلاقات الغيرية والمعيارية الغيرية وقواعد وقوالب المجتمع للهوية الجنسية. وكتب بعض المؤلفين عن شارع هارلم بأنه كان شارعًا “مثليًا مثلما كان أسودًا”.

ومن الرموز الكويريّة البارزة في تاريخ البلوز:

ما ريني، أم البلوز

عرف عن الأسطورة ما ريني Ma Rainey، الملقبة بـ أم البلوز، علاقاتها العاطفية مع النساء، فلم تخفي هذا الأمر عنها، بل احتفت به أيضًا في أغانيها، ففي واحدة من أشهر أغانيها Prove It On Me Blues، ظهرت ما ريني في هذه الأغنية وهي ترتدي سترة وربطة عنق رجالية حينها، بينما يتابعها أحد رجال الشرطة وهي تحاول إغواء سيدتين في زاوية الشارع، وهناك أغاني كثيرة عبرت فيها ما ريني عن النساء المثليات وعن انجذابها وعلاقاتها العاطفية مع النساء، مثل أغنية Shave ‘Em Dry Blues وBlack Eye Blues.

ما ريني، Donaldson Collection/Getty Images

بيسي سميث، إمبراطورة البلوز 

أتت بيسي سميث Bessie Smith بعد ما ريني لتأخذ لقب إمبراطورة البلوز، وفي الحقيقة جمعت سميث وما علاقة قوية خلال مسيرتهن الفنية، حيث تعلمت سميث الكثير من ما عندما قدمتها ما كمغنية مشاركة في عروضها في بداية المسيرة الفنية لـ سميث. كانت سميث مثل ما، تعبر عن حياتها العاطفية وعلاقاتها مع النساء دون خجل، رغم توبيخ زوجها الثاني جاك جي لها، لعلمه أنها كانت تقيم علاقات مع نساء متزوجات، وخاصةً الراقصات الاستعراضيات في عروضها الفنية، ومن أبرز الأغاني التي عبرت فيها عن انجذابها للنساء It’s Dirty But Good.

بيسي سميث، Bettmann/Corbis

جلاديس بنتلي، ثورية البلوز

سُميت جلاديس بنتلي Gladys Bentley بالثائرة والجريئة، في فترة عصر النهضة لشارع هارلم، عرفت جلاديس حينها بكونها امرأة غير نمطية، حيث كان ينظر لها ممن حولها بأنها امراة ذات طباع رجولية، وكانت تقوم بأغلبية عروضها الفنية في الحانات التي كانت ترحب بالمثليين والمثليات، ودائمًا ما كانت ترتدي بدلات رسمية رجالية وتعبر عن إعجابها بالنساء. رغم أن جلاديس كانت سابقة لعصرها بأسلوب حياتها وكونها امرأة سمراء داكنة البشرة، يحتذى بها وبجرأتها ومغنية بلوز محبوبة، إلا أنها لم تسلم من المجتمع والسياسين الذين هتفوا في خطاباتهم أن”المثلية الجنسية والاشتراكية هما هلاك المجتمع” في فترة الخمسينات، حيث اضطرت إلى الزواج من رجل، لإنقاذ حياتها الفنية، وأصبحت ترتدي الفساتين وخضعت لعلاج هرموني حتى تثبت للصحافة والمجتمع عندها أنه قد تمت “معالجتها” مما كانت عليه من قبل وأنها أصبحت قد أصبحت مغايرة. ورغم أن حياة جلاديس كانت مريرة، إلى أنه حتى اليوم يتم تخليد ذكراها والإحتفاء بها في تاريخ الحركة والعمل النسوي الكويريّ، لشجاعتها في تحدي المجتمع بخصوص الأنماط الجندرية والجنسية في هذا الوقت خاصة، كونها امرأة مغنية سمراء داكنة البشرة، اختارت أن تعيش حياتها في البداية كما تريد.

جلاديس بنتلي، مصور غير معروف

دائمًا ما يمكنك أن تغني عن أحزانك مع البلوز 

البلوز/الجاز كان دائماً مساحة فنية للتعبير عما بداخل الشخص من حزن أو سعادة، أو التهكم والاعتراض عما يحدث في المجتمع، خاصة لذوات البشرة السمراء الذين صنعوا بأنفسهم تاريخ وثقافة البلوز مع معاناة حياتهن ومع المطالبة بحقوقهن. والنساء اللاتي استخدمن صوتهن وقصصهن لكسر القوالب الاجتماعية التي فرضت عليهن وعلى باقي النساء، رغم الصعوبات التي تعانيها المرأة كونها امرأة في هذا العصر، ناهيك عن كونها امرأة سمراء داكنة البشرة، تقريبًا كانتا يعشن بلا حقوق وقتها، إلا أن هؤلاء النساء حاولن أن يعشن حياتهن بالطريقة التي تناسبهن، فلم يهتموا إذا ما كان يجب أن ترتدي المرأة الفساتين فقط، بل أثبتوا أنها تستطيع أن ترتدي مثل الرجل وأن الرجل يستطيع ارتداء الفساتين أيضاً، ولم يخافوا أن يعبروا في أغانيهن عن تفضيلهن للنساء، وإقامة علاقات مع النساء في حياتهن. وتركوا تراث وثقافة يحتفى بها دون أن يتم تجاهلهن أو محيهن ومحي قصصهن من التاريخ، بل يُدرس هذا التاريخ الكويري النسوي التقاطعي حتى الآن، وكانت هذه خفايا بسيطة من تاريخهن الحافل، ما وصلنا منه وما لم يصلنا.