أطياف

«القومي للترجمة» وكراهية المثليين

نشر المركز القومي للترجمة في مصر في يوم السبت 15 أغسطس 2020 عبر صفحته الرسمية على فيسبوك شروط اختيار الأعمال للترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، ونصت الشروط على “مراعاة ألا يتعارض الكتاب مع الأديان أو القيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف”، وأثار ذلك الشرط ردود فعل رافضة من المترجمين والكتاب والقراء والمهتمين، واعتبروا ذلك الشرط محاولة لفرض نمط موحد من الكتب التي تترجم من خلال المركز القومي للترجمة، وأن ذلك الشرط يتعارض مع الهدف الرئيسي لعملية الترجمة، حيث تنقل النصوص من ثقافات وأعراف مجتمعية وأديان مختلفة.

وفي مداخلة هاتفية لها في البرنامج التلفزيوني “المساء مع قصواء” المذاع عبر الفضائية المصرية TEN، قالت مديرة المركز القومي للترجمة علا عادل في محاولة للرد على الرافضين لبند رفض ترجمة ما يتعارض مع الأديان والأعراف، قالت: “تُعرض علينا كتب، بل وأحيانًا اللجان تقرها دون أن تكون خاضت داخلها، أو قرأت الكتاب بشكل مفصل للغاية ويتسبب هذا لنا في مشاكل كثيرة، كان هناك كتاب يدافع عن الإلحاد، وكتاب يدافع عن المثلية… أتحدث تحديدًا عن الأشكال الصارخة للخروج عن الأعراف، هناك بعض الكتب، ودي مرفوضة، ولم يحدث أن أقرها المركز طبعًا، لذلك وضع هذا تحديدًا كأحد الآليات، إنه الكتاب يروج للمثلية أو الشذوذ الجنسي، أو يروج للإلحاد بشكل صارخ للغاية وليس مجرد طرح فكر.”

وفي اليوم التالي، يوم الأحد 16 أغسطس 2020، نشر المركز القومي للترجمة عبر صفحته الرسمية على فيسبوك ردًا على الرافضين لبند ما يتعارض مع الأديان والأعراف في هيئة منشور توضيحي، حاول البيان احتواء ردود الفعل من خلال توجيهها إلى منطلق أن وضع ذلك الشرط ما كان إلا بسبب أن وردتهم طلبات لترجمة كتب “تتضمن تطاول على رموز ومؤسسات دينية دون أن يكون هناك فكر حقيقي مطروح، بل وهناك من الأعمال ما يروج للمثلية والشذوذ والإلحاد، وهو ما لا نقبل وضع اسم المركز عليه” ليس إلا، حسب ما جاء في المنشور التوضيحي.

وقامت الصفحة الرسمية بحذف المنشور الأول وترك المنشور التوضيحي على أمل أن يمتص ردود الفعل الرافضة، ولكن على العكس، تسبب المنشور التوضيحي في إثارة ردود فعل رافضة أكثر بل وغاضبة تجاه تأكيد المنشور التوضيحي على مخاوف المترجمين والكتاب والقراء والمهتمين تجاه بند عدم ترجمة ما يتعارض مع الأديان والأعراف في الشروط التي وضعت جديدًا وسوف يتم على أساسها اختيار الكتب المقترحة للترجمة، مما دفع الصفحة الرسمية للمركز بحذف المنشور التوضيحي بعد ساعات قليلة من نشره.

ما تخبرنا به تصريحات مديرة المركز القومي للترجمة، هو اعتقادها الراسخ بأن التوجهات الجنسية عبارة عن فكر وأيديولوجية، وأن المثليين ليسوا مثليين لأن طبيعة هويتهم كذلك، بل لأنهم اعتنقوا فكرًا ما، فتعتبر أن التناول الإيجابي للمثليين والحديث عن حقوقهم وأشكال الاضطهاد الذي يواجهونه “ترويجًا” للمثليين، وطبعًا الصاقها فعل الترويج والدعاية بالمثليين لمجرد التعبير الإيجابي عن حقوقهم يأتي من اقتناعها أن المثليين أصحاب فكر وعقيدة لا هوية طبيعية، فلا تمانع إطلاقًا استخدام أوصافًا مهينة تحقر من المثليين في مداخلتها الهاتفية أو في المنشور التوضيحي كاستخدام مصطلح “الشذوذ الجنسي”، كما تخبرنا مداخلتها أيضًا أنها ضد الحريات الفردية، فتنكر حق الأشخاص في الحديث عن كونهم غير مؤمنين، رغم تأكيدها في نفس المداخلة على أنها تكن كل الاحترام للمؤسسات الدينية، فيخبرنا ذلك أنها ترى أن المؤمنين وحدهم لهم الحق في التعبير عن أنفسهم، أما غير المؤمنين فلا حق ولا احترام لهم، بل الحجب والإهانة.

في يوم الاثنين 17 أغسطس 2020، وبعد زيادة ردود الفعل الرافضة والغاضبة على قرارات الدكتورة علا عادل مديرة المركز القومي للترجمة، أعلنت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، تعيين الدكتورة كرمة محمد سامي أستاذ الأدب الإنجليزي بكلية الألسن بجامعة عين شمس مديرة للمركز القومي للترجمة خلفًا للدكتورة علا عادل، وجاء في الإعلان المنشور عبر الصفحة الرسمية للوزارة على فيسبوك، أن تعيين كرمة محمد سامي جاء بعد اعتذار علا عادل عن أداء مهامها كمديرة للمركز القومي للترجمة بسبب تعيينها ملحقاً ثقافياً لمكتب البعثة التعليمية بدولة النمسا، 

ربما رحلت علا عادل ومعها أفكارها الكارهة للمثليين والمعادية للحريات الفردية عن منصبها كـ مديرة للمركز القومي للترجمة، ولكن هل يرحل معها شرطها المجحف حول منع ترجمة ما يتعارض مع الأديان والقيم والأعراف؟ وهل من الممكن أن يتغير الوضع وتكون هناك مساحة لترجمة أعمالاً تعرّف بالآخر وحقوقه والمشاكل والاضطهاد الذي يواجهه؟ وتعرّف وتتناول الحريات الفردية للمواطنين؟ وأن يدرك العاملون في المركز أن تصوراتهم الأخلاقية وتحفظاتهم حول فئات من المجتمع لابد أن توضع على جنب، وألا تتدخل في عملهم، حيث تفرض ذلك مهنة الترجمة، ويفرض ذلك أيضًا كونهم يعملون في مركزًا حكوميًا، حيث لابد أن يخدم جميع المواطنين معرفيًا وثقافيًا دون تمييز أو شحن كراهية أو توجيه إهانة أو تحقير من الآخر المختلف.